بذلوا فيها مجهودهم.
وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وذلك إذا بالغٍ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من قال بالله فقد جهد يمينه.
وأصل أقسم جهد اليمين أقسم بجهد اليمين جهداً فحذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافاً إلى المفعول كقوله فضرب الرقاب وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال جاهدين أيمانهم ﴿ لَـاـاِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ﴾ [النور : ٥٣] أي لئن أمرنا محمد بالخروج إلى الغزو لغزونا أو بالخروج من ديارنا لخرجنا ﴿ قُل لا تُقْسِمُوا ﴾ [النور : ٥٣] لا تحلفوا كاذبين لأنه معصية ﴿ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ﴾ [النور : ٥٣] أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة، مبتدأ محذوف الخبر أو خبر مبتدأ محذوف أي الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها ولا يرتاب كطاعة الخلص من المؤمنين لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ٨] يعلم ما في ضمائركم ولا يخفى عليه شيء من سرائركم وإنه فاضحكم لا محالة ومجازيكم على نفاقكم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٢
﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [النور : ٥٤] صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريق الالتفات وهو أبلغ في تبكيتهم ﴿ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾ [النور : ٥٤] يريد فإن تتولوا فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله الله تعالى وكلفه من أداء الرسالة فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه، وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التلقي بالقبول والإذعان فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم نفوسكم لسخط الله وعذابه ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور : ٥٤] أي وإن أطعتموه فيما يأمركم وينهاكم فقد أحرزتم نصيبكم من الهدى، فالضرر في توليكم والنفع عائدان إليكم ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور : ٥٤] وما على الرسول إلا أن يبلغ ما له نفع في قلوبكم ولا عليه ضرر في توليكم.
والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية، والمبين الظاهر لكونه مقروناً بالآيات والمعجزات.
ثم ذكر المخلصين فقال
٢٢٣
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٣
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [النور : ٥٥] الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام ولمن معه و منكم للبيان.
وقيل : المراد به المهاجرون و " من " للتبعيض ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الارْضِ ﴾ [النور : ٥٥] أي أرض الكفار.
وقيل : أرض المدينة.
والصحيح أنه عام لقوله عليه الصلاة والسلام " ليدخلن هذا الدين على ما دخل عليه الليل " ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ ﴾ [النور : ٥٥] استخلف أبو بكر ﴿ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم ﴾ [النور : ٥٥] وليبدلنهم بالتخفيف : مكي وأبو بكر ﴿ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور : ٥٥] وعدهم الله أن ينصر الاسلام على الكفر ويورثهم الأرض ويجعلهم فيها خلفاء كما فعل ببني إسرائيل حين أورثهم مصر والشام بعد إهلاك الجبابرة، وأن يمكن الدين المرتضى وهو دين الاسلام، وتمكينه تثبيته وتعضيده وأن يؤمن سربهم ويزيل عنهم الخوف الذي كانوا عليه.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين، ولما هاجروا كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى قال رجل : ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فنزلت فقال عليه الصلاة والسلام " لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليس معه حديدة " فأنجز الله وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وافتتحوا أبعد بلاد المشرق والمغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم واستولوا على الدنيا.
والقسم المتلقى باللام والنون في ليستخلفنهم محذوف تقديره وعدهم الله وأقسم ليستخلفنهم، أو نزل وعد الله في تحققه منزلة القسم فيتلقى بما يتلقى به القسم كأنه قيل : أقسم الله ليستخلفنهم ﴿ يَعْبُدُونَنِى ﴾ إن جعلته استئنافاً فلا محل له كأنه قيل : ما لهم يستخلفون ويؤمنون؟ فقال : يعبدونني موحدين، ويجوز أن يكون حالاً بدلاً من الحال الأولى.
وإن جعلته حالاً عن


الصفحة التالية
Icon