﴿ وَالْقَوَاعِدُ ﴾ جمع قاعد لأنها من الصفات المختصة بالنساء كالطالق والحائض أي اللاتي قعدن عن الحيض والولد لكبرهن ﴿ مِنَ النِّسَآءِ ﴾ [النساء : ٢٢] حال ﴿ لا يَرْجُونَ نِكَاحًا ﴾ لا يطمعن فيه وهي في كل الرفع صفة للمبتدأ وهي القواعد والخبر ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ ﴾ [النور : ٦٠] إثم ودخلت الفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط بسبب الألف واللام ﴿ أَن يَضَعْنَ ﴾ [النور : ٦٠] في أن يضعن ﴿ ثِيَابَهُنَّ ﴾ أي الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار ﴿ غَيْرِ ﴾ حال ﴿ مُتَبَرِّجَـات بِزِينَةٍ ﴾ [النور : ٦٠] أي غير مظهرات زينة يريد الزينة الخفية كالشعر والنحر والساق ونحو ذلك أي لا يقصدن بوضعها التبرج ولكن التخفيف، وحقيقة التبرج يكلف إظهاراً ما يجب إخفاؤه ﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ ﴾ [النور : ٦٠] أي يطلبن العفة عن وضع الثياب فيستترون وهو مبتدأ خبره ﴿ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ [النور : ٦٠] لما يعلن ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بما يقصدن.
٢٢٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
﴿ لَّيْسَ عَلَى الاعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الاعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [النور : ٦١] قال سعيد بن المسيب : كان المسلمون إذا خرجوا إلى الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلّم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والمريض والأعرج وعند أقاربهم ويأذنونهم أن يأكلوا من بيوتهم، وكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون : نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فنزلت الآية رخصة لهم ﴿ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ ﴾ [النور : ٦١] أي حرج ﴿ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ ﴾ [النور : ٦١] أي بيوت أولادكم لأن ولد الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه ولذا لم يذكر الأولاد في الآية، وقد قال عليه الصلاة والسلام " أنت ومالك لأبيك " أو بيوت أزواجكم لأن الزوجين صار كنفس واحدة فصار بيت المرأة كبيت الزوج ﴿ لَّيْسَ عَلَى الاعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الاعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآ ـاِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ﴾ [النور : ٦١] لأن الإذن من هؤلاء ثابت دلالة ﴿ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ ﴾ جمع مفتح وهو ما يفتح به الغلق، قال ابن عباس رضي الله عنه : هو وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته، له أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته.
وأريد بملك المفاتح كونها في يده وحفظه.
وقيل : أريد به بيت عبده لأن العبد وما في يده لمولاه ﴿ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُا أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ [النور : ٦١] يعني أو بيوت أصدقائكم والصديق يكون واحداً وجمعاً وهو من يصدقك في مودته وتصدقه في مودتك، وكان الرجل من السلف يدخل دارٍ صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ ما شاء، فإذا حضر
٢٢٨
مولاها فأخبرته أعتقها سروراً بذلك، فأما الان فقد غلب الشح على الناس فلا يؤكل إلا بإذن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٨
﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا ﴾ [النور : ٦١] مجتمعين ﴿ أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ [النور : ٦١] متفرقين جمع شت.
نزلت في بني ليث بن عمرو وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظراً نهاره إلى الليل فإن لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة، أو في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا مع ضيفهم، أو تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا ﴾ [النور : ٦١] من هذه البيوت لتأكلوا ﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ﴾ [النور : ٦١] أي فابدؤوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة أو بيوتاً فارغة أو مسجداً فقولوا : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ﴿ تَحِيَّةً ﴾ نصب بـ سلموا لأنها في معنى تسليماً نحو " قعدت جلوساً " ﴿ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٣٧] أي ثابتة بأمره مشروعة من لدنه، أو لأن التسليم والتحية طلب سلامة وحياة للمسلم عليه والمحيا من عند الله ﴿ مُبَـارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور : ٦١] وصفها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق ﴿ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الايَـاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور : ٦١] لكي تعقلوا وتفهموا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٨