﴿ هؤلاء ﴾ مبتدأ ﴿ قَوْمُنَا ﴾ عطف بيان ﴿ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً ﴾ [الأنبياء : ٢٤] خبر وهو إخبار في معنى الإنكار ﴿ لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم ﴾ [الكهف : ١٥] هلا يأتون على عبادتهم فخذف المضاف ﴿ بِسُلْطَـان بَيِّنٍ ﴾ [الكهف : ١٥] بحجة ظاهرة وهو تبكيت لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الأنعام : ١٤٤] بنسبة الشريك إليه ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ [الكهف : ١٦] خطاب من بعضهم لبعض حين صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم ﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ ﴾ [الكهف : ١٦] نصب عطف على الضمير أي وإذ عتزلتموهم وإذا اعتزلتم معبوديهم ﴿ إِلا اللَّهَ ﴾ [النحل : ٧٩] استثناء متصل لأنهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه غيره كأهل مكة أو منقطع أي وإذ اعتزلتم الكفار والأصنام التي يعبدونها من دون الله أو هو كلام معترض إخبار من الله تعالى عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ﴾ [الكهف : ١٦] صيروا إليه أو اجعلوا الكهف مأواكم ﴿ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾ [الكهف : ١٦] من رزقه ﴿ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ﴾ مَرفقاً مدني وشامي وهو ما يرتفق به أي ينتفع وإنما قالوا ذلك ثقة بفضل الله وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه ونصوع يقينهم أو أخبرهم به نبي في عصرهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥
﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ ﴾ [الكهف : ١٧] بتخفيت الزاي كوفي، تزَّور شامي، تزَّاور غيرهم وأصله تتزاور فخفف بإدغام التاء في الزاي أو حذفها والكل من الزور وهو الميل ومنه زاره إذا مال إليه والزور الميل عن الصدق ﴿ عَن كَهْفِهِمْ ﴾ [الكهف : ١٧] أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم ﴿ ذَاتَ الْيَمِينِ ﴾ [الكهف : ١٧] جهة اليمين وحقيقتها الجهة المسماة باليمين ﴿ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ﴾ [الكهف : ١٧] تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم ﴿ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مِّنْهُ ﴾ [الكهف : ١٧] في متسع من الكهف والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا
١٥
تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لإصابة الشمس لولا أن الله يحجبها عنهم وقيل منفسح من غارهم ينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم ولا يحسون كرب الغار ﴿ ذَالِكَ مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ ﴾ [الأعراف : ٢٦] أي ما صنعه الله بهم من إزورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آيات الله يعني أن ما كان في ذلك السمت تصيبه الشمس ولا تصيبهم اختصاصاً لهم بالكرامة وقيل باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأة أبداً ومعنى ذلك من آيات الله أن شأنهم وحديثهم من آيات الله ﴿ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ﴾ [الكهف : ١٧] مثل ما مر في سبحان وهو ثناء عليهم بأنهم جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم فأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية ﴿ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ﴾ [الكهف : ١٧] أي من أضله فلا هادي له
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ ﴾ بفتح السين شامي وحمزة وعاصم غير الأعشي وهو خطاب لكل أحد ﴿ أَيْقَاظًا ﴾ جمع يقظ ﴿ وَهُمْ رُقُودٌ ﴾ [الكهف : ١٨] نيام قيل عيونهم مفتحة وهم نيام فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظاً ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف : ١٨] قيل لهم تقلّبتان في السنة وقيل تقلبة واحدة في يوم عاشوراء ﴿ وَكَلْبُهُم بَـاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ ﴾ [الكهف : ١٨] حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي ﴿ بِالْوَصِيدِ ﴾ بالفناء أو بالعتبة ﴿ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الكهف : ١٨] لو أشرفت عليهم فنطرت إليهم ﴿ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ ﴾ [الكهف : ١٨] لأعرضت عنهم وهربت منهم ﴿ فِرَارًا ﴾ منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت منهم ﴿ وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ [الكهف : ١٨] ويتشديد اللام حجازي للمبالغة ﴿ رُعْبًا ﴾ تمييز وبضم العين شامي وعلي وهو الخوف الذي يرعب الصدر أي يملؤه وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة أو لطول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم وعن معاوية أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال : أريد أن أدخل فقال ابن عباس رضي الله عنهما : لقد قيل لمن هو خير منك لوليت منهم فراراً فدخلت جماعة بأمره فأحرقتهم ريح
١٦


الصفحة التالية
Icon