﴿ وَاتَّخَذُوا ﴾ الضمير للكافرين لاندراجهم تحت العالمين أو لدلالة نذيراً عليهم لأنهم المنذرون ﴿ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً ﴾ [يس : ٢٣] أي الأصنام ﴿ لا يَخْلُقُونَ شيئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [النحل : ٢٠] أي أنهم آثروا على عبادة من هو منفرد بالألوهية والملك والخلق والتقدير عبادة عجزة لا يقدرون على خلق شيء وهم يخلقون ﴿ وَلا يَمْلِكُونَ لانفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا ﴾ [الفرقان : ٣] ولا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها ﴿ وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا ﴾ [الفرقان : ٣] إماتة ﴿ وَلا يَمْلِكُونَ ﴾ [الفرقان : ٣] أي إحياء ﴿ وَلا نُشُورًا ﴾ [الفرقان : ٣] إحياء بعد الموت وجعلها كالعقلاء لزعم عابديها ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـاذَآ ﴾ [الفرقان : ٤] ما هذا القرآن ﴿ إِلا إِفْكٌ ﴾ [الفرقان : ٤] كذب ﴿ افْتَرَاهُ ﴾ اختلقه واخترعه محمد من عند نفسه ﴿ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ ﴾ [الفرقان : ٤] أي اليهود وعداس ويسار وأبو فكيهة الرومي قاله النضر بن الحارث ﴿ فَقَدْ جَآءُو ظُلْمًا وَزُورًا ﴾ [النساء : ٥٤-٤] هذا إخبار من الله رد للكفرة فيرجع الضمير إلى الكفار وجاء يستعمل في
٢٣٣
معنى فعل فيعدى تعديتها، أو حذف الجار وأوصل الفعل أي بظلم وزور.
وظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاماً عربياً أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب، والزور أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٣
﴿ وَقَالُوا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ ﴾ [الفرقان : ٥] أي هو أحاديث المتقدمين وما سطروه كرستم وغيره جمع أسطار وأسطورة كأحدوثة ﴿ اكْتَتَبَهَا ﴾ كتبها لنفسه ﴿ فَهِىَ تُمْلَى عَلَيْهِ ﴾ [الفرقان : ٥] أي تلقى عليه من كتابه ﴿ بُكْرَةً ﴾ أول النهار ﴿ وَأَصِيلا ﴾ آخره فيحفظ ما يملى عليه ثم يتلوه علينا.
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ أَنزَلَهُ ﴾ أي القرآن ﴿ الَّذِى يَعْلَمُ السِّرَّ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الفرقان : ٦] أي يعلم كل سر خفي في السماوات والأرض، يعني أن القرآن لما اشتمل على علم الغيوب التي يستحيل عادة أن يعلمها محمد عليه الصلاة والسلام من غير تعليم، دل ذلك على أنه من عند علام الغيوب ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الفرقان : ٦] فيمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة وإن استوجبوها بمكابرتهم ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَـاذَا الرَّسُولِ ﴾ وقعت اللام في المصحف مفصولة عن الهاء وخط المصحف سنة لا تغير، وتسميتهم إياه بالرسول سخرية منهم كأنهم قالوا : أي شيء لهذا الزاعم إنه رسول ﴿ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الاسْوَاقِ ﴾ [الفرقان : ٧] حال والعامل فيها " هذا " ﴿ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾ أي إن صح أنه رسول الله فما باله يأكل الطعام كما نأكل ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما تردد يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن الأكل والتعيش، ثم نزلوا عن ذلك الاقتراح إلى أن يكون إنساناً معه ملك حتى يتساندا في الإنذار والتخويف، ثم نزلوا إلى أن يكون مرفوداً بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر
٢٣٤
به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش، ثم نزلوا إلى أن يكون رجلاً له بستان يأكل هو منه كالمياسير أو نأكل نحن كقراءة علي وحمزة.
وحسن عطف المضارع وهو ﴿ يُلْقَى ﴾ و ﴿ تَكُونُ ﴾ على ﴿ أُنزِلَ ﴾ وهو ماض لدخول المضارع وهو ﴿ فَيَكُونَ ﴾ بينهما وانتصب ﴿ فَيَكُونَ ﴾ على القراءة المشهورة لأنه جواب ﴿ لَوْلا ﴾ بمعنى " هلا " وحكمه حكم الاستفهام.
وأراد بالظالمين في قوله ﴿ وَقَالَ الظَّـالِمُونَ ﴾ [الفرقان : ٨] إياهم بأعيانهم غير أنه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم فيما قالوا وهم كفار قريش ﴿ إِن تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَّسْحُورًا ﴾ [الإسراء : ٤٧] سحر فجن أو ذا سحر وهو الرئية عنوا أنه بشر لا ملك
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٤
﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا ﴾ [الإسراء : ٤٨] بينوا ﴿ لَكَ الامْثَـالَ ﴾ [الإسراء : ٤٨] الأشباه أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال من المفتري والمملى عليه والمسحور ﴿ فَضَلُّوا ﴾ عن الحق ﴿ فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ﴾ [الإسراء : ٤٨] فلا يجدون طريقاً إليه.