﴿ وَيَوْمَ ﴾ واذكر يوم ﴿ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ ﴾ [الفرقان : ٢٥] والأصل تتشقق فحذف التاء كوفي وأبو عمرو وغيرهم أدغمها في الشين ﴿ بِالْغَمَـامِ ﴾ لما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كأنه الذي تشقق به السماء كما تقول " شققت السنام بالشفرة فانشق بها " ﴿ وَنُزِّلَ الْمَلَـائكَةُ تَنزِيلا ﴾ [الفرقان : ٢٥] وننزل الملائكة مكي، وتنزيلاً على هذا مصدر من غير لفظ الفعل.
والمعنى أن السماء تنفتح بغمام أبيض يخرج منها وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف أعمال العباد ﴿ الْمُلْكِ ﴾ مبتدأ ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ ظرفه ﴿ الْحَقُّ ﴾ نعته ومعناه الثابت لأن كل ملك يزول يومئذ فلا يبقى إلا ملكه ﴿ لِلرَّحْمَـانِ ﴾ خبره ﴿ وَكَانَ ﴾ ذلك اليوم ﴿ يَوْمًا عَلَى الْكَـافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ [الفرقان : ٢٦] شديداً.
يقال عسر عليه فهو عسير وعسر ويفهم منه يسره على المؤمنين ففي الحديث " يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها في الدنيا ".
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ [الفرقان : ٢٧] عض اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لأنه من روادفها فتذكر الرادفة ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة ما لا يجده عند لفظ المكنّى عنه، واللام في ﴿ الظَّالِمُ ﴾ للعهد وأريد به عقبة لما تبين أو للجنس فيتناول عقبة وغيره من الكفار ﴿ يَقُولُ يَـالَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ﴾ في الدنيا ﴿ مَعَ الرَّسُولِ ﴾ [الفرقان : ٢٧] محمد عليه الصلاة والسلام ﴿ سَبِيلا ﴾ طريقاً إلى النجاة والجنة وهو الإيمان ﴿ يَقُولُ يَـالَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ﴾ وقرىء يا ويلتي بالياء وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته
٢٤١
وهي هلكته يقول لها تعالي فهذا أوانك.
وإنما قلبت الياء ألفاً كما في " صحارى " و " مدارى " ﴿ سَبِيلا * يَـاوَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا ﴾ [الفرقان : ٢٨] فلان كناية عن الأعلام فإن أريد بالظالم عقبة لما روي أنه اتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل فقال له أبيّ بن خلف وهو خليله : وجهي من وجهك حرام إلا أن ترجع فارتد.
فالمعنى يا ليتني لم أتخذ أبياً خليلاً، فكنى عن اسمه.
وإن أريد به الجنس فكل من اتخذ من المضلين خليلاً كان لخليله اسم علم لا محالة فجعل كناية عنه.
وقيل : هو كناية عن الشيطان
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
﴿ لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ ﴾ [الفرقان : ٢٩] أي عن ذكر الله أو القرآن أو الإيمان ﴿ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى ﴾ [الفرقان : ٢٩] من الله ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَـانُ ﴾ [الإسراء : ٢٧] أي خليله سماه شيطاناً لأنه أضله كما يضله الشيطان، أو إبليس لأنه الذي حمله على مخالة المضل ومخالفة الرسول ﴿ لِلانسَـانِ ﴾ المطيع له ﴿ خَذُولا ﴾ هو مبالغة من الخذلان أي من عادة الشيطان ترك من يواليه وهذا حكاية كلام الله أو كلام الظالم.
﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ ﴾ [الفرقان : ٣٠] أي محمد عليه الصلاة والسلام في الدنيا ﴿ يَـارَبِّ إِنَّ قَوْمِى ﴾ [الفرقان : ٣٠] قريشاً ﴿ اتَّخَذُوا هَـاذَا الْقُرْءاَنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان : ٣٠] متروكاً أي تركوه ولم يؤمنوا به من الهجران وهو مفعول ثان لـ اتخذوا في هذا تعظيم للشكاية وتخويف لقومه لأن الأنبياء إذا شكوا إليه قومهم حل بهم العذاب ولم ينظروا.
ثم أقبل عليه مسلياً ووعده النصرة عليهم فقال ﴿ وَكَذَالِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان : ٣١] أي كذلك كان كل نبي قبلك مبتلى بعداوة قومه وكفاك بي هادياً إلى طريق قهرهم والانتصار منهم، وناصراً لك عليهم.
والعدو يجوز أن يكون واحداً وجمعاً والباء زائدة أي وكفى ربك هادياً وهو تمييز
٢٤٢
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٢