﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ﴾ [البقرة : ٩١] أي إذا قال محمد عليه الصلاة والسلام للمشركين ﴿ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـانِ ﴾ [الفرقان : ٦٠] صلوا لله واخضعوا له ﴿ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـانُ ﴾ [الفرقان : ٦٠] أي لا نعرف الرحمن فنسجد له، فهذا سؤال عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بـ " ما " أو " عن " معناه لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما استعمل الرحيم والراحم والرحوم ﴿ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾ [الفرقان : ٦٠] للذي تأمرنا بالسجود له أو لأمرك بالسجود يا محمد من غير علم منا به.
يأمرنا علي وحمزة كأن بعضهم قال لبعض : أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو؟ فقد عاندوا لأن معناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة لأن فعلان من أبنية المبالغة تقول : رجل عطشان إذا كان في نهاية العطش ﴿ وَزَادَهُمْ ﴾ قوله اسجدوا للرحمن ﴿ نُفُورًا ﴾ تباعداً عن الإيمان ﴿ تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَآءِ بُرُوجًا ﴾ [الفرقان : ٦١] هي منازل الكواكب السيارة لكل كوكب بيتان يقوي حاله فيهما.
وللشمس بيت وللقمر بيت.
فالحمل والعقرب بيتا المريخ، والثور والميزان بيتا الزهرة، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والسرطان بيت القمر، والأسد بيت الشمس، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلو بيتا زحل.
وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيصيب كل واحد منها ثلاثة بروج : فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية.
سميت المنازل بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها واشتقاق البروج من التبرج لظهوره.
وقال الحسن وقتادة ومجاهد : البروج هي النجوم الكبار لظهورها ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا ﴾ [فصلت : ١٠] في السماء ﴿ سِرَاجًا ﴾ يعني الشمس لتوقدها.
سرجا حمزة وعلى أي نجوماً ﴿ وَقَمَرًا مُّنِيرًا ﴾ [الفرقان : ٦١] مضيئاً بالليل.
﴿ وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾ [الفرقان : ٦٢] فعلة من خلف كالركبة من ركب
٢٥٣
وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر، والمعنى جعلهما ذوي خلفة يخلف أحدهما الآخر عند مضيه أو يخلفه في قضاء ما فاته من الورد ﴿ لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ﴾ [الفرقان : ٦٢] يتدبر في تسخيرهما واختلافهما فيعرف مدبرهما.
يذكر حمزة وخلف أي يذكر الله أو المنسي فيقضي ﴿ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان : ٦٢] أي يشكر نعمة ربه عليه فيهما.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٣
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَـانِ ﴾ [الفرقان : ٦٣] مبتدأ خبره ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ ﴾ [الفرقان : ٦٣] أو أولئك يجزون و ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ ﴾ [الفرقان : ٦٣] وما بعدهما صفة والإضافة إلى الرحمن للتخصيص والتفضيل.
وصف أولياءه بعدما وصف أعداءه ﴿ عَلَى الارْضِ هَوْنًا ﴾ [الفرقان : ٦٣] حال أو صفة للمشي أي هينين أو مشياً هيناً.
والهون الرفق واللين أي يمشون بسكينة ووقار وتواضع دون مرح واختيال وتكبر فلا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشراً وبطراً ولذا كره بعض العلماء الركوب في الأسواق ولقوله : ويمشون في الأسواق ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَـاهِلُونَ ﴾ [الفرقان : ٦٣] أي السفهاء بما يكرهون ﴿ قَالُوا سَلَـامًا ﴾ [الفرقان : ٦٣] سداداً من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإفك أو تسلماً منكم نتارككم ولا نجاهلكم فأقيم السلام مقام التسلم.
وقيل : نسختها آية القتال.
ولا حاجة إلى ذلك فالإغضاء عن السفهاء مستحسن شرعاً ومروءة.
هذا وصف نهارهم ثم وصف ليلهم بقوله ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا ﴾ [الفرقان : ٦٤] جمع ساجد ﴿ وَقِيَـامًا ﴾ جمع قائم والبيتوتة خلاف الظلول وهي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم.
وقالوا : من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة وإن قل فقد بات ساجداً وقائماً.
وقيل : هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء.
والظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ [الفرقان : ٦٥]
٢٥٤


الصفحة التالية
Icon