هلاكاً لازماً ومنه الغريم لملازمته.
وصفهم بإحياء الليل ساجدين قائمين ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذاناً بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون متضرعون إلى الله في صرف العذاب عنهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٤
﴿ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان : ٦٦] أي إن جهنم.
و " ساءت " في حكم " بئست " وفيها ضمير مبهم يفسره مستقراً والمخصوص بالذم محذوف معناه ساءت مستقراً ومقاماً هي، وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم " إن " وجعلها خبراً لها، أو بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم " إن " ومستقرا حال أو تمييز، ويصح أن يكون التعليلان متداخلين ومترادفن وأن يكونا من كلام الله تعالى وحكاية لقولهم.
﴿ وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ﴾ [الفرقان : ٦٧] لم يجاوزوا الحد في النفقة أو لم يأكلوا للتنعم ولم يلبسوا للتصلف.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : لم ينفقوا في المعاصي فالإسراف مجاوزة القدر.
وسمع رجل رجلاً يقول : لا خير في الإسراف.
فقال : لا إسراف في الخير، وقال عليه الصلاة والسلام " من منع حقاً فقد قتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف " ﴿ وَلَمْ يَقْتُرُوا ﴾ [الفرقان : ٦٧] بضم التاء كوفي، وبضم الياء وكسر التاء مدني وشامي، وبفتح الياء وكسر التاء مكي وبصري.
والقتر والإقتار والتقتير والتضييق الذي هو نقيض الإسراف ﴿ وَكَانَ ﴾ إنفاقهم ﴿ بَيْنَ ذَالِكَ ﴾ [النساء : ١٥٠] أي الإسراف والإقتار ﴿ قَوَامًا ﴾ أي عدلاً بينهما فالقوام العدل بين الشيئين والمنصوبان أي ﴿ بَيْنَ ذَالِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان : ٦٧] خبران وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير، وبمثله أمر عليه الصلاة والسلام ﴿ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾ [الإسراء : ٢٩] الآية.
وسأل عبد الملك بن مروان عمر بن عبد العزيز عن نفقته حين زوجه ابنته فقال : الحسنة بين السيئتين.
فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية.
وقيل : أولئك أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثيابهم للجمال
٢٥٥
والزينة ولكن لسد الجوعة وستر العورة ودفع الحر والقر.
وقال عمر رضي الله عنه : كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلا أكله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٥
﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ ﴾ [الفرقان : ٦٨] أي لا يشركون ﴿ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ [الفرقان : ٦٨] أي حرمها يعني حرم قتلها ﴿ إِلا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام : ١٥١] بقود أو رجم أو ردة أو شرك أو سعي في الأرض بالفساد، وهو متعلق بالقتل المحذوف أو بـ لا يقتلون ﴿ وَلا يَزْنُونَ ﴾ [الفرقان : ٦٨] ونفى هذه الكبائر عن عباده الصالحين تعريض لما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم كأنه قيل : والذي طهرهم الله مما أنتم عليه ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ ﴾ [النساء : ١١٤] أي المذكور ﴿ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ [الفرقان : ٦٨] جزاء الإثم ﴿ يُضَـاعَفْ ﴾ بدل من يلق لأنهما في معنى واحد إذ مضاعفة العذاب هي لقاء الآثام كقوله :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا
فجزم " تلمم " لأنه بمعنى " تأتنا " إذ الإتيان هو الإلمام.
يضعّف مكي ويزيد ويعقوب.
يضعّف شامي يضاعف أبو بكر على الاستئناف أو على الحال ومعنى يضاعف ﴿ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [الفرقان : ٦٩] أي يعذب على مرور الأيام في الآخرة عذاباً على عذاب.
وقيل : إذا ارتكب المشرك معاصي مع الشرك عذب على الشرك وعلى المعاصي جميعاً فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه ﴿ وَيَخْلُدْ ﴾ جزمه جازم ﴿ يُضَـاعَفْ ﴾ ورفعه رافعه لأنه معطوف عليه ﴿ فِيهِ ﴾ في العذاب فهي مكي وحفص بالإشباع.
وإنما خص حفص الإشباع بهذه الكلمة مبالغة في الوعيد.
والعرب تمد للمبالغة مع أن الأصل في هاء الكناية الإشباع ﴿ مُهَانًا ﴾ حال أي ذليلاً ﴿ إِلا مَن تَابَ ﴾ [مريم : ٦٠] عن الشرك وهو استثناء من الجنس في موضع النصب
٢٥٦


الصفحة التالية
Icon