﴿ أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَـاؤُا بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ كم نصب بـ أنبتنا ﴿ فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾ [ق : ٧] صنف من النبات ﴿ كَرِيمٍ ﴾ محمود كثير المنفعة يأكل منه الناس والأنعام كالرجل الكريم الذي نفعه عام.
وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة والإحاطة أن كلمة كل تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل وكم تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة، وبه نبه على كمال قدرته ﴿ إِنَّ فِي ذَالِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء : ٨] أي إن في إنبات تلك الأصناف لآية على أن مبنتها قادر على إحياء الموتى، وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم غير مرجي إيمانهم ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [الشعراء : ٩] في انتقامه من الكفرة ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ لمن آمن منهم ووحد آية مع الإخبار بكثرتها لأن ذلك مشار به إلى مصدر أنبتنا، أو المراد إن في كل واحد من تلك الأزواج لآية أي آية.
﴿ وَإِذْ ﴾ مفعول به أي اذكر إذ ﴿ نَادَى ﴾ دعا ﴿ رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ ﴾ [الشعراء : ١٠] إن
٢٦١
بمعنى أي ﴿ الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] أنفسهم بالكفر وبني إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد سجل عليهم بالظلم، ثم عطف
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦١
﴿ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾ [الأعراف : ١٢٧] عليهم عطف البيان كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد ﴿ أَلا يَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء : ١١] أي ائتهم زاجراً فقد آن لهم أن يتقوا، وهي كلمة حث وإغراء.
ويحتمل أنه حال من الضمير في الظالمين أي يظلمون غير متقين الله وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال.
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّى أَخَافُ ﴾ [الشعراء : ١٢] الخوف غم يلحق الإنسان لأمر سيقع ﴿ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِى ﴾ بتكذيبهم إياي مستأنف أو عطف على أخاف ﴿ وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِى ﴾ [الشعراء : ١٣] بأن تغلبني الحمية على ما أرى من المحال وأسمع من الجدال وبنصبهما يعقوب عطفاً على يكذبون فالخوف متعلق بهذه الثلاثة على هذا التقدير وبالتكذيب وحده بتقدير الرفع ﴿ فَأَرْسِلْ إِلَى هَـارُونَ ﴾ [الشعراء : ١٣] أي أرسل إليه جبريل واجعله نبياً يعينني على الرسالة، وكان هارون بمصر حين بعث موسى نبياً بالشام.
ولم يكن هذا الالتماس من موسى عليه السلام توقفاً في الامتثال بل التماس عون في تبليغ الرسالة، وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف في امتثال الأمر، وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل لا على التعلل ﴿ وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنابٌ ﴾ [الشعراء : ١٤] أي تبعة ذنب بقتل القبطي فحذف المضاف، أو سمي تبعة الذنب ذنباً كما سمي جزاء السيئة سيئة ﴿ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ [الشعراء : ١٤] أي يقتلوني به قصاصاً، وليس هذا تعللاً أيضاً بل استدفاع للبلية المتوقعة، وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة ولذا وعده بالكلاءة والدفع بكلمة الردع.
وجمع له الاستجابتين معاً في قوله ﴿ قَالَ كَلا فَاذْهَبَا ﴾ [الشعراء : ١٥] لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الله الدفع بردعه عن الخوف والتمس منه رسالة أخيه فأجابه بقوله اذهبا أي جعلته رسولاً معك فاذهبا.
وعطف فاذهبا على الفعل الذي يدل عليه كلا كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهارون ﴿ بِـاَايَـاتِنَآ ﴾ مع آياتنا وهي اليد والعصا وغير ذلك
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٢
﴿ إِنَّا مَعَكُم ﴾ [البقرة : ١٤]
٢٦٢
أي معكما بالعون والنصرة ومع من أرسلتما إليه بالعلم والقدرة ﴿ مُّسْتَمِعُونَ ﴾ خبر لـ " إن " و معكم لغو، أو هما خبران أي سامعون، والاستماع في غير هذا الإصغاء للسماع يقال : استمع فلان إلى حديثه أي أصغى إليه ولا يجوز حمله ههنا على ذلك فحمل على السماع
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٢


الصفحة التالية
Icon