﴿ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الشعراء : ١٦] لم يثن الرسول كما ثنى في قوله إنا رسولا ربك لأن الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة فجعل ثمة بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته، وجعل هنا بمعنى الرسالة فيستوي في الوصف به الواحد والتثنية والجمع، أو لأنهما لاتحادهما واتفاقهما على شريعة واحدة كأنهما رسول واحد، أو أريد إن كل واحد منا ﴿ أَنْ أَرْسِلْ ﴾ [الشعراء : ١٧] بمعنى أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال وفيه معنى القول ﴿ مَعَنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [الشعراء : ١٧] يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما فأتيا بابه فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب : إن ههنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين فقال : ائذن له لعلنا نضحك منه.
فأديا إليه الرسالة فعرف فرعون موسى فعند ذلك.
﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا ﴾ [الشعراء : ١٨] وإنما حذف فأتيا فرعون فقال اختصاراً.
والوليد الصبي لقرب عهده من الولادة أي ألم تكن صغيراً فربيناك ﴿ وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴾ [الشعراء : ١٨] قيل : ثلاثين سنة ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِى فَعَلْتَ ﴾ [الشعراء : ١٩] يعني قتل القبطي فعرض إذ كان ملكاً ﴿ وَأَنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ ﴾ [الشعراء : ١٩] بنعمتي حيث قتلت خبازي أو كنت على ديننا الذي تسميه كفراً، وهذا افتراء منه عليه لأنه معصوم من الكفر وكان يعايشهم بالتقية ﴿ قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذًا ﴾ [الشعراء : ٢٠] أي إذ ذاك ﴿ وَأَنَا مِنَ الضَّآلِّينَ ﴾ [الشعراء : ٢٠] الجاهلين بأنها تبلغ القتل والضال عن الشيء هو الذاهب عن معرفته، أو الناسين من قوله
٢٦٣
﴿ أَن تَضِلَّ إِحْدَاـاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاـاهُمَا الاخْرَى ﴾ [البقرة : ٢٨٢] فدفع وصف الكفر عن نفسه ووضع الضالين موضع الكافرين و إذا جواب وجزاء معاً، وهذا الكلام وقع جواباً لفرعون وجزاء له لأن قول فرعون وفعلت فعلتك معناه أنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى : نعم فعلتها مجازياً تسليماً لقوله لأن نعمته كانت جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٣
﴿ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ ﴾ [الشعراء : ٢١] إلى مدين ﴿ لَمَّا خِفْتُكُمْ ﴾ [الشعراء : ٢١] أن تقتلوني وذلك حين قال له مؤمن من آل فرعون ﴿ إِنَّ الْمَلا يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ ﴾ الآية.
﴿ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْمًا ﴾ [الشعراء : ٢١] نبوة وعلماً فزال عني الجهل والضلالة ﴿ وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء : ٢١] من جملة رسله ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [الشعراء : ٢٢] كر على امتنانه عليه بالتربية فأبطله من أصله وأبى أن تسمى نعمة لأنها نقمة حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل لأن تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته، ولو تركهم لرباه أبواه فكأن فرعون امتن على موسى بتعبيد قومه وإخراجه من حجر أبويه إذا حققت وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيداً.
ووحد الضمير في تمنها وعبدت وجمع في منكم وخفتكم لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله بدليل قوله ﴿ إِنَّ الْمَلا يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ﴾ [القصص : ٢٠].
وأما الامتنان فمنه وحده وكذا التعبيد.
وتلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بتفسيرها، ومحل أن عبدت الرفع عطف بيان لتلك أي تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي.
﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الشعراء : ٢٣] أي إنك تدعي أنك رسول رب العالمين فما صفته لأنك إذا أردت السؤال عن صفة زيد تقول : ما زيد؟ تعني أطويل أم قصير أفقيه أم طبيب نص عليه صاحب الكشاف وغيره ﴿ قَالَ ﴾ موسى مجيباً له على وفق سؤاله ﴿ رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾
٢٦٤
أي وما بين الجنسين ﴿ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴾ [الشعراء : ٢٤] أي إن كنتم تعرفون الأشياء بالدليل فكفى خلق هذه الأشياء دليلاً، أو إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب وإلا لم ينفع.
والإيقان العلم الذي يستفاد بالاستدلال ولذا لا يقال الله موقن
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٤