﴿ قَالَ ﴾ أي فرعون ﴿ لِمَنْ حَوْلَهُ ﴾ [الشعراء : ٢٥] من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة ﴿ أَلا تَسْتَمِعُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٥] معجباً قومه من جوابه لأنهم يزعمون قدمهما وينكرون حدوثهما وأن لهما رباً فاحتاج موسى إلى أن يستدل بما شاهدوا حدوثه وفناءه فاستدل حيث ﴿ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآ ـاِكُمُ الاوَّلِينَ ﴾ [الشعراء : ٢٦] أي هو خالقكم وخالق آبائكم فإن لم تستدلوا بغيركم فبأنفسكم.
وإنما قال ﴿ وَرَبُّ ءَابَآ ـاِكُمُ ﴾ لأن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم.
﴿ قَالَ ﴾ أي فرعون ﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء : ٢٧] حيث يزعم أن في الوجود إلهاً غيري وكان فرعون ينكر إلهية غيره ﴿ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٨] فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم، وهذا غاية الإرشاد حيث عمم أولاً بخلق السماوات والأرض وما بينهما، ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته، ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستوٍ من أظهر ما استدل به، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالأحياء والإماتة على نمروذ بن كنعان.
وقيل : سأله فرعون عن الماهية جاهلاً عن حقيقة سؤاله، فلما أجاب موسى بحقيقة الجواب وقع عنده أن موسى حاد عن الجواب حيث سأله عن الماهية وهو يجيب عن ربوبيته وآثار صنعه فقال معجباً لهم من جواب موسى : ألا تستمعون؟ فعاد
٢٦٥
موسى إلى مثل قوله الأول فجننه فرعون زاعماً أنه حائد عن الجواب، فعاد ثالثاً إلى مثل كلامه الأول مبيناً أن الفرد الحقيقي إنما يعرف بالصفات وأن السؤال عن الماهية محال وإليه الإشارة في قوله تعالى ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران : ١١٨] أي إن كان لكم عقل علمكم أنه لا تمكن معرفته إلا بهذا الطريق، فلما تحير فرعون ولم يتهيأ له أن يدفع ظهور آثار صنعه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٤
﴿ قَالَ لَـاـاِنِ اتَّخَذْتَ إِلَـاهًَا غَيْرِى ﴾ [الشعراء : ٢٩] أي غيري إلهاً ﴿ لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء : ٢٩] أي لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني، وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فرداً لا يبصر فيها ولا يسمع، فكان ذلك أشد من القتل.
ولو قيل لأسجننك لم يؤد هذا المعنى وإن كان أخصر ﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ ﴾ [الشعراء : ٣٠] الواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام أي أتفعل بي ذلك ولو جئتك ﴿ بِشَىْءٍ مُّبِينٍ ﴾ [الشعراء : ٣٠] أي جائياً بالمعجزة ﴿ قَالَ فَأْتِ بِهِ ﴾ [الشعراء : ٣١] بالذي يبين صدقك ﴿ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ ﴾ [الأعراف : ٧٠] أن لك بينة وجواب الشرط مقدر أي فأحضره ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾ [الأعراف : ١٠٧] ظاهر الثعبانية لا شيء يشبه الثعبان كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر.
روي أن العصا ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول : يا موسى مرني بما شئت.
ويقول فرعون : أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها، فأخذها فعادت عصا.
﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّـاظِرِينَ ﴾ [الأعراف : ١٠٨] فيه دليل على أن بياضها كان شيئاً يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة وكان بياضها نورياً.
روي أن فرعون لما أبصر الآية الأولى قال : فهل غيرها فأخرج يده فقال لفرعون ما هذه؟ قال فرعون : يدك، فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق ﴿ قَالَ ﴾ أي فرعون ﴿ لِلْمَلا حَوْلَهُ ﴾ [الشعراء : ٣٤] هو منصوب نصبين نصب في اللفظ والعامل فيه ما يقدر في الظرف، ونصب في المحل وهو النصب على الحال من
٢٦٦
الملأ أي كائنين حوله والعامل فيه قال ﴿ إِنَّ هَـاذَا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف : ١٠٩] بالسحر.
ثم أغوى قومه على موسى بقوله
د>
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٦


الصفحة التالية
Icon