﴿ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [الأعراف : ١١٠] منصوب لأنه مفعول به من قولك أمرتك الخير ﴿ تَأْمُرُونَ ﴾ تشيرون في أمره من حبس أو قتل من المؤامرة وهي المشاورة، أو من الأمر الذي هو ضد النهي.
لما تحير فرعون برؤية الآيتين وزال عنه ذكر دعوى الالهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائصه خوفاً طفق يؤامر قومه الذي هم بزعمه عبيده وهو إلههم، أو جعلهم آمرين ونفسه مأموراً ﴿ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ﴾ [الشعراء : ٣٦] أخر أمرهما ولا تباغت قتلهما خوفاً من الفتنة ﴿ وَابْعَثْ فِى الْمَدَآ ـاِنِ حَـاشِرِينَ ﴾ [الشعراء : ٣٦] شرطاً يحشرون السحرة وعارضوا قول فرعون إن هذا لساحر عليم بقولهم.
﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾ [الشعراء : ٣٧] فجاء بكلمة الإحاطة وصيغة المبالغة ليسكنوا بعض قلقه ﴿ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَـاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [الشعراء : ٣٨] أي يوم الزينة وميقاته وقت الضحى لأنه الوقت الذي وقته لهم موسى عليه السلام من يوم الزينة في قوله تعالى :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ [طه : ٥٩].
والميقات ما وقت به أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام ﴿ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ ﴾ [الشعراء : ٣٩] أي اجتمعوا وهو استبطاء لهم في الاجتماع والمراد منه استعجالهم ﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ ﴾ [الشعراء : ٤٠] في دينهم ﴿ إِن كَانُوا هُمُ الْغَـالِبِينَ ﴾ [الشعراء : ٤٠] أي غلبوا موسى في دينه وليس غرضهم اتباع السحرة وإنما الغرض الكلي أن لا يتبعوا موسى فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى.
٢٦٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٧
﴿ نَعَمْ ﴾ وبكسر العين : علي، وهما لغتان ﴿ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الشعراء : ٤٢] أي قال فرعون نعم لكم أجر عندي وتكونون مع ذلك من المقربين عندي في المرتبة والجاه فتكونون أول من يدخل علي وآخر من يخرج.
ولما كان قولهم : أئن لنا لأجراً في معنى جزاء الشرط لدلالته عليه وكان قوله : وإنكم إذا لمن المقربين معطوفاً عليه دخلت إذا قارة في مكانها الذي تقضيه من الجواب والجزاء ﴿ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ ﴾ [يونس : ٨٠] من السحر فسوف ترون عاقبته ﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ ﴾ [الشعراء : ٤٤] سبعين ألف حبل ﴿ وَعِصِيَّهُمْ ﴾ سبعين ألف عصا.
وقيل : كانت الحبال اثنين وسبعين ألفاً وكذا العصي ﴿ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَـالِبُونَ ﴾ [الشعراء : ٤٤] أقسموا بعزته وقوته وهو من أيمان الجاهلية ﴿ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ ﴾ [الشعراء : ٤٥] تبتلع ﴿ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ [الأعراف : ١١٧] ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم ويزوّرونه ويخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حياة تسعى ﴿ فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَـاجِدِينَ ﴾ [الشعراء : ٤٦] عبر عن الخرور بالإلقاء بطريق المشاكلة لأنه ذكر مع الإلقاءات ولأنهم لسرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقوا ﴿ قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الأعراف : ١٢١] عن عكرمة رضي الله عنه : أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٨
﴿ رَبِّ مُوسَى وَهَـارُونَ ﴾ [الأعراف : ١٢٢] عطف بيان لـ رب العالمين لأن فرعون كان يدعي الربوبية فأرادوا أن يعزلوه.
وقيل ؛ إن فرعون لما سمع منهم آمنا برب العالمين قال : إياي عنيتم؟ قالوا : رب موسى وهارون.
﴿ قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ﴾ [طه : ٧١] بذلك
٢٦٨
﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ [طه : ٧١] وقد تواطأتم على أمر ومكر ﴿ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الشعراء : ٤٩] وبال ما فعلتم.
ثم صرح فقال ﴿ لاقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَـافٍ ﴾ [الأعراف : ١٢٤] من أجل خلاف ظهر منكم ﴿ وَلاصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الشعراء : ٤٩] كأنه أراد به ترهيب العامة لئلا يتبعوهم في الإيمان
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٨


الصفحة التالية
Icon