﴿ فَإِنَّهُمْ ﴾ أي الأصنام ﴿ عَدُوٌّ لِّى ﴾ [الشعراء : ٧٧] العدو والصديق يجيئان في معنى الوحدة والجماعة يعني لو عبدتهم لكانوا أعداء لي في يوم القيامة كقوله ﴿ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم : ٨٢] وقال الفراء : هو من المقلوب أي فإني عدوهم.
وفي قوله عدو لي دون " لكم " زيادة نصح ليكون أدعى لهم إلى القبول، ولو قال " فإنهم عدو لكم " لم يكن بتلك المثابة ﴿ إِلا رَبَّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الشعراء : ٧٧] استثناء منقطع لأنه لم يدخل تحت الأعداء كأنه قال : لكن رب العالمين.
﴿ الَّذِى خَلَقَنِى ﴾ [الشعراء : ٧٨] بالتكوين في القرار المكين ﴿ فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [الشعراء : ٧٨] لمناهج الدنيا ولمصالح الدين والاستقبال في يهديني مع سبق العناية لأنه يحتمل يهديني للأهم الأفضل والأتم الأكمل، أو الذي خلقني لأسباب خدمته فهو يهديني إلى آداب خلته ﴿ وَالَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى ﴾ [الشعراء : ٧٩] أضاف الإطعام إلى ولي الإنعام لأن الركون إلى الأسباب عادة الأنعام ﴿ وَيَسْقِينِ ﴾ قال ابن عطاء : هو الذي يحييني بطعامه ويرويني بشرابه ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾ [الشعراء : ٨٠] وإنما لم يقل أمرضني لأنه قصد الذكر بلسان الشكر فلم يضف إليه ما يقتضي الضر.
قال ابن عطاء : وإذا مرضت برؤية الخلق ﴿ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء : ٨٠] بمشاهدة الحق.
قال الصادق : إذا مرضت برؤية الأفعال فهو يشفين بكشف منة الإفضال ﴿ وَالَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ ﴾ [الشعراء : ٨١] ولم يقل إذا مت لأنه الخروج من حبس البلاء ودار الفناء إلى روض البقاء لوعد اللقاء.
وأدخل " ثم " في الإحياء لتراخيه عن الإفناء، وأدخل الفاء في الهداية والشفاء لأنهما يعقبان الخلق والمرض لامعاً معاً.
﴿ وَالَّذِى أَطْمَعُ ﴾ [الشعراء : ٨٢] طمع العبيد في الموالي بالإفضال لا على الاستحقاق
٢٧٣
بالسؤال ﴿ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيائَتِى ﴾ [الشعراء : ٨٢] قيل : هو قوله ﴿ إِنِّى سَقِيمٌ ﴾ [الصافات : ٨٩] ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ﴾ [الأنبياء : ٦٣] ﴿ هَـاذَا رَبِّى ﴾ [الأنعام : ٧٦] (الأنعام : ٦٧) للبازغ هي أختي لسارة، وما هي إلا معاريض جائزة وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار، واستغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم وتعليم للأمم في طلب المغفرة، ﴿ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة : ٤] يوم الجزاء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣
﴿ رَبِّ هَبْ لِى حُكْمًا ﴾ [الشعراء : ٨٣] حكمة أو حكماً بين الناس بالحق أو نبوة لأن النبي عليه السلام ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله ﴿ وَأَلْحِقْنِى بِالصَّـالِحِينَ ﴾ [يوسف : ١٠١] أي الأنبياء ولقد أجابه حيث قال ﴿ وَإِنَّهُ فِى الاخِرَةِ لَمِنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [البقرة : ١٣٠] ﴿ وَاجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الاخِرِينَ ﴾ [الشعراء : ٨٤] أي ثناء حسناً وذكراً جميلاً في الأمم التي تجيء بعدي فأعطي ذلك فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه، ووضع اللسان موضع القول لأن القول يكون به.
﴿ وَاجْعَلْنِى مِن ﴾ [الشعراء : ٨٥] يتعلق بمحذوف أي وارثاً من ﴿ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ﴾ [الشعراء : ٨٥] أي من الباقين فيها ﴿ وَاغْفِرْ لابِى ﴾ [الشعراء : ٨٦] اجعله أهل المغفرة بإعطاء الإسلام وكان وعده الإسلام يوم فارقه ﴿ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ ﴾ [الشعراء : ٨٦] الكافرين ﴿ وَلا تُخْزِنِى ﴾ [الشعراء : ٨٧] الاخزاء من الخزي وهو الهوان أو من الخزاية وهو الحياء وهذا نحو الاستغفار كما بينا ﴿ يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾ [الأعراف : ١٤] الضمير فيه للعباد لأنه معلوم، أو للضالين وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه أي ولا تخزني في يوم يبعث الضالون وأبي فيهم ﴿ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ ﴾ [الشعراء : ٨٨] هو بدل من يوم الأول ﴿ وَلا بَنُونَ ﴾ [الشعراء : ٨٨] أحداً ﴿ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء : ٨٩] عن الكفر والنفاق وقلب الكافر والمنافق
٢٧٤