مريض لقوله تعالى :﴿ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [محمد : ٢٩] أي إن المال إذا صرف في وجوه البر وبنوه صالحون فإنه ينتفع به وبهم سليم القلب، أو جعل المال والبنون في معنى الغني كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه.
وقد جعل من مفعولاً لـ ينفع أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلاً سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع.
ويجوز على هذا إلا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين.
وقد صوب الخليل إكراماً له ثم جعله صفة له في قوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٤
﴿ سَلِيمٍ ﴾ وما أحسن ما رتب عليه السلام كلامه مع المشركين حيث سألهم أولاً عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم، ثم أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين فأخرجه من أن يكون شبهة فضلاً عن أن يكون حجة، ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلّص منها إلى ذكر الله تعالى فعظم شأنه وعدد نعمته من حين إنشائه إلى وقت وفاته مع ما يرجّى في الآخرة من رحمته، ثم أتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين وابتهل إليه ابتهال الأوابين، ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمني الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٤
﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الشعراء : ٩٠] أي قربت عطف جملة على جملة أي تزلف من موقف السعداء فينظرون إليها.
﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ ﴾ [الشعراء : ٩١] أي أظهرت حتى يكاد يأخذهم لهبها ﴿ لِلْغَاوِينَ ﴾ للكافرين ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ﴾ يوبخون على إشراكهم فيقال لهم أين الهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم، أو هل
٢٧٥
ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٥
﴿ فَكُبْكِبُوا ﴾ أنكسوا أو طرح بعضهم على بعض ﴿ فِيهَا ﴾ في الجحيم ﴿ هُمُ ﴾ أي الآلهة ﴿ وَالْغَاوُانَ ﴾ وعبدتهم الذين برزت لهم.
والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب مرة إثر مرة حتى يستقر في قعرها نعوذ بالله منها ﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾ [الشعراء : ٩٥] شياطينه أو متبعوه من عصاة الإنس والجن ﴿ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴾ [الشعراء : ٩٦] يجوز أن ينطق الله الأصنام حتى يصح التقاول والتخاصم، ويجوز أن يجري ذلك بين العصاة والشياطين ﴿ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم ﴾ نعدلكم أيها الأصنام ﴿ بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الأعراف : ١٢١]في العبادة ﴿ وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلا الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الشعراء : ٩٩] أي رؤساؤهم الذين أضلوهم أو إبليس وجنوده ومن سن الشرك.
﴿ فَمَا لَنَا مِن شَـافِعِينَ ﴾ [الشعراء : ١٠٠] كما للمؤمنين من الأنبياء والأولياء والملائكة ﴿ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء : ١٠١] كما نرى لهم أصدقاء إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون وأما أهل النار فبينهم التعادي :﴿ الاخِلاءُ يَوْمَـاـاِذ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف : ٦٧] أو ﴿ حَمِيمٍ ﴾ من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس.
والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام الذي يهمه ما يهمك، أو من الحامّة بمعنى الخاصة وهو الصديق الخاص.
وجمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة، وأما الصديق وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك فقليل.
وسئل حكيم عن الصديق فقال : اسم لا معنى له.
وجاز أن يراد بالصديق الجمع
٢٧٦
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٦


الصفحة التالية
Icon