﴿ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ ﴾ [الأعراف : ٨٥] يقال بخسته حقه إذا نقصته إياه ﴿ أَشْيَآءَهُمْ ﴾ دراهمهم ودنانيرهم بقطع أطرافهما ﴿ وَلا تَعْثَوْا فِى الارْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة : ٦٠] ولا تبالغوا فيها في الإفساد نحو : قطع الطريق والغارة وإهلاك الزروع.
وكانوا يفعلون ذلك فنهوا عنه.
يقال : عثا في الأرض إذا أفسد وعثي في الأرض لغة في عثا.
﴿ وَاتَّقُوا الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ ﴾ [الشعراء : ١٨٤] الجبلة عطف على " كم " أي اتقوا الذي خلقكم وخلق الجبلة ﴿ الاوَّلِينَ ﴾ الماضين ﴿ قَالُوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَآ أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ إدخال الواو هنا ليفيد معنيين كلاهما مناف الرسالة عندهم : التسحير والبشرية.
وتركها في قصة ثمود ليفيد معنى واحداً وهو كونه مسحراً، ثم كرر بكونه بشراً مثلهم ﴿ وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَـاذِبِينَ ﴾ [الشعراء : ١٨٦] " إن " مخففة من الثقيلة واللام دخلت للفرق بينهما وبين النافية.
وإنما تفرقنا على فعل الظن وثاني مفعوليه لأن أصلهما أن يتفرقا على المبتدأ والخبر كقولك " إن زيداً لمنطلق " فملا كان بابا " كان " و " ظننت " من جنس باب المبتدأ والخبر فعل ذلك في البابين فقيل : إن كان زيد لمنطلقاً وإن ظننته لمنطلقاً ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا ﴾ [الشعراء : ١٨٧] كسفا حفص وهما جمعاً كسفة وهي القطعة وكسفه قطعه ﴿ مِّنَ السَّمَآءِ ﴾ [الشعراء : ٤] أي السحاب أو الظلة ﴿ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ ﴾ [الأعراف : ٧٠] أي إن كنت صادقاً أنك نبي فادع الله أن يسقط علينا كسفاً من السماء أي قطعاً من السماء عقوبة
٢٨٥
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿ قَالَ رَبِّى ﴾ [الشعراء : ١٨٨] بفتح الياء : حجازي وأبو عمرو، وبسكونها : غيرهم ﴿ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحج : ٦٨] أي إن الله أعلم بأعمالكم وبما تستحقون عليها من العذاب، فإن أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل، وإن أراد عقاباً آخر فإليه الحكم والمشيئة ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾ [الشعراء : ١٨٩] هي سحابة أظلتهم بعدما حبست عنهم الريح وعذبوا بالحر سبعة أيام فاجتمعوا تحتها مستجيرين بها مما نالهم من الحر فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * إِنَّ فِي ذَالِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ وقد كرر في هذه السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرر تقريراً لمعانيها في الصدور ليكون أبلغ في الوعظ والزجر، ولأن كل قصة منها كتنزيل برأسه، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها فكانت جديرة بأن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها وأن تختتم بما اختتمت به.
﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي القرآن ﴿ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الشعراء : ١٩٢] منزل منه ﴿ نَزَلَ بِهِ ﴾ [الشعراء : ١٩٣] مخفف والفاعل ﴿ الرُّوحُ الامِينُ ﴾ [الشعراء : ١٩٣] أي جبريل لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة.
حجازي وأبو عمرو وزيد وحفص، وغيرهم بالتشديد.
ونصب الروح والفاعل هو الله تعالى أي جعل الله الروح نازلاً به، والباء على القراءتين للتعدية ﴿ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [البقرة : ٩٧] أي حفظك وفهمك إياه وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى كقوله :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى ﴾ [الأعلى : ٦] ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ ﴾ بلغه قريش وجرهم ﴿ مُّبِينٍ ﴾ فصيح ومصحح عما صحفته العامة.
والباء إما أن يتعلق بـ المنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام، أو بـ نزل أي نزله بلسان عربي لتنذر به لأنه لو نزله بلسان أعجمي لتجافوا عنه أصلاً ولقالوا : ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر
٢٨٦
الإنذار به.
وفي هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك لأنك تفهمه وتفهّمه قومك، ولو كان أعجمياً لكان نازلاً على سمعك دون قلبك لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها، وقد يكون الرجل عارفاً بعدة لغات فإذا كلم بلغته التي نشأ عليها لم يكن قلبه ناظراً إلا إلى معاني الكلام، وإن كلم بغيرها كان نظره أولاً في ألفاظها ثم في معانيها، وإن كان ماهراً بمعرفتها فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين.