جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٦
﴿ وَإِنَّهُ ﴾ وإن القرآن ﴿ لَفِى زُبُرِ الاوَّلِينَ ﴾ [الشعراء : ١٩٦] يعني ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية.
وقيل : إن معانيه فيها، وفيه دليل على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية فيكون دليلاً على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة.
﴿ أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً ﴾ ولم تكن لهم آيةٌ شامي، جعلت آية اسم " كان " وخبره ﴿ أَن يَعْلَمَهُ ﴾ [الشعراء : ١٩٧] أي القرآن لوجود ذكره في التوراة.
وقيل : في يكن ضمير القصة وآية خبر مقدم والمبتدأ أن يعلمه والجملة خبر " كان ".
وقيل :" كان " تامة والفاعل آية وأن يعلمه بدل منها أو خبر مبتدأ محذوف أي أولم تحصل لهم آية.
وغيره يكن بالتذكير وآية بالنصب على أنها خبره وأن يعلمه هو الاسم وتقديره : أولم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل ﴿ مَعِىَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ كعبد الله بن سلام وغيره قال الله تعالى :﴿ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا ءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ [القصص : ٥٣] وخط في المصحف علماؤا بواو قبل الألف ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَـاهُ عَلَى بَعْضِ الاعْجَمِينَ ﴾ [الشعراء : ١٩٨] جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وكذلك الأعجمي إلا أن فيه لزيادة يا ء النسبة زيادة تأكيد، ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجم وأعجمي شبهوه بمن لا يفصح ولا
٢٨٧
يبين، والعجمي الذي من جنس العجم أفصح أولم يفصح.
وقرأ الحسن الأعجميين وقيل : الأعجمين تخفيف الأعجميين كما قالوا الأشعرون أي الأشعريون بحذف يا ء النسبة ولولا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع السلامة لأن مؤنثه عجماء
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٧
﴿ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء : ١٩٩] والمعنى أنا أنزلنا القرآن على رجل عربي مبين ففهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجز، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتاب قبله على أن البشارة بإنزاله وصفته في كتبهم وقد تضمنت معانيه وقصصه وصح بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا، فلم يؤمنوا به وسموه شعراً تارة وسحراً أخرى وقالوا هذا من افتراء محمد عليه الصلاة والسلام، ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلاً أن يقدر على نظم مثله فقرأه عليهم هكذا معجزاً لكفروا به كما كفروا ولتمحلوا لجحودهم عذراً ولسموه سحراً.
ثم قال ﴿ كَذَالِكَ سَلَكْنَـاهُ ﴾ [الشعراء : ٢٠٠] أي أدخلنا التكذيب أو الكفر وهو مدلول قوله ما كانوا به مؤمنين ﴿ فِى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الحجر : ١٢] الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه يعني مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وقررناه فيها فكيفما فعل بهم وعلى أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الكفر به والتكذيب له كما قال :﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـابًا فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [الأنعام : ٧].
وهو حجتنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد خيرها وشرها.
وموقع قوله ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [الشعراء : ٢٠١] بالقرآن من قوله سلكناه في قلوب المجرمين موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثبات كونه مكذباً مجحوداً في قلوبهم، فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد، ويجوز أن يكون حالاً أي سلكناه فيها غير مؤمن به ﴿ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الالِيمَ ﴾ [يونس : ٨٨] المراد به
٢٨٨
معاينة العذاب عند الموت ويكون ذلك إيمان يأس فلا ينفعهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٨
﴿ فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً ﴾ [الشعراء : ٢٠٢] فجأة ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٥] بإتيانه ﴿ فَيَقُولُوا ﴾ وفيأتيهم معطوفان على يروا ﴿ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٠٣] يسألون النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجابون إليها ﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٠٤] توبيخ لهم وإنكار عليهم قولهم :﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الانفال : ٣٢].
ونحو ذلك.


الصفحة التالية
Icon