﴿ أَفَرَءَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـاهُمْ سِنِينَ ﴾ [الشعراء : ٢٠٥] قيل : هي سنو مدة الدنيا ﴿ ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٠٦] من العذاب ﴿ مَآ أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٠٧] به في تلك السنين.
والمعنى أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال الله تعالى : أفبعذابنا يستعجلون أشراً وبطراً واستهزاء واتكالاً على الأمل الطويل، ثم قال : هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم؟.
قال يحيى بن معاذ : أشد الناس غفلة من اغتر بحياته والتذ بمراداته وسكن إلى مألوفاته والله تعالى يقول : أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون، وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال : عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية.
فقال ميمون : قد وعظت فأبلغت.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقرؤها عند جلوسه للحكم ﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنذِرُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٠٨] رسل ينذرونهم.
ولم تدخل الواو
٢٨٩
على الجملة بعد إلا كما في :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾ [الحجر : ٤] لأن الأصل عدم الواو إذ الجملة صفة لـ قرية وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٩
﴿ ذِكْرَى ﴾ منصوبة بمعنى تذكرة لأن أنذر وأذكر متقاربان فكأنه قيل : مذكرون تذكرة.
أو حال من الضمير في ﴿ مُنذِرُونَ ﴾ أي بنذرونهم ذوي تذكرة أو مفعول له أي ينذرون لأجل التذكرة والموعظة، أو مرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية، أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى، أو تكون ذكرى متعلقة بـ أهلكنا مفعولاً له، والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعدما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم ﴿ وَمَا كُنَّا ظَـالِمِينَ ﴾ [الشعراء : ٢٠٩] فنهلك قوماً غير ظالمين.
ولما قال المشركون : إن الشياطين تلقى القرآن على محمد أنزل ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ﴾ [الشعراء : ٢١٠] أي القرآن ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَـاطِينُ * وَمَا يَنابَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ وما يتسهل لهم ولا يقدرون عليه.
﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ [الشعراء : ٢١٢] لممنوعون بالشهب ﴿ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ [الشعراء : ٢١٣] مورد النهي لغيره على التعريض والتحريك له زيادة الإخلاص ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء : ٢١٤] خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته، أو ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً وأن النجاة في اتباعه دون قربة.
ولما نزلت صعد الصفا ونادى الأقرب فالأقرب وقال :" يا بني عبد المطلب يا بني
٢٩٠
هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول الله إني لا أملك لكم من الله شيئاً "
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٠
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ ﴾ [الحجر : ٨٨] وألن جانبك وتواضع، وأصله أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلاً في التواضع ولين الجانب ﴿ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء : ٢١٥] من عشيرتك وغيرهم ﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّى بَرِى ءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [الشعراء : ٢١٦] يعني أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض جناحك لهم، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره ﴿ وَتَوكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ [الشعراء : ٢١٧] على الذي قهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم، والتوكل : تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره، وقالوا : المتوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه فإن حاجتك إليه في الدارين.
فتوكل مدني وشامي عطف على فقل أو فلا تدع.