﴿ الَّذِى يَرَاـاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الشعراء : ٢١٨] متهجداً ﴿ وَتَقَلُّبَكَ ﴾ أي ويرى تقلبك ﴿ فِى السَّـاجِدِينَ ﴾ [الشعراء : ٢١٩] في المصلين.
أتبع كونه رحيماً على رسوله ما هو من أسباب الرحمة وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون، وليعلم أنهم كيف يعبدون الله ويعملون لآخرتهم.
وقيل : معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة.
وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم.
وعن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة : هل تجد الصلاة بالجماعة في القرآن؟ فقال : لا يحضرني فتلا له هذه الآية.
٢٩١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩١
﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ [الإسراء : ١] لما تقوله ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بما تنويه وتعلمه، هوّن عليه معاناة مشاق العبادات حيث أخبر برؤيته له إذ لا مشقة على من يعلم أنه يعمل بمرأى مولاه وهو كقولك.
بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي
نزل جواباً لقول المشركين إن الشياطين تلقى السمع على محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ﴾ [المائدة : ٦٠] أي هل أخبركم أيها المشركون ﴿ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَـاطِينُ ﴾ [الشعراء : ٢٢١] ثم نبأ فقال ﴿ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ [الشعراء : ٢٢٢] مرتكب للاثام وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح وطليحة ومسيلمة، ومحمد صلى الله عليه وسلّم يشتم الأفاكين ويذمهم فكيف تنزل الشياطين عليه ﴿ يُلْقُونَ السَّمْعَ ﴾ [الشعراء : ٢٢٣] هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يستمعون إلى الملأ الأعلى فيحفظون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم.
ويلقون حال، أي تنزل ملقين السمع، أو صفة لـ كل أفاك لأنه في معنى الجمع فيكون في محل الجزاء، أو استئناف فلا يكون له محل كأنه قيل : لم تنزل على الأفاكين؟ فقيل : يفعلون كيت وكيت ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ كَـاذِبُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٢٣] فيما يوحون به إليهم لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا.
وقيل : يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة.
وقيل : الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين ويتلقون وحيهم إليهم أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس وأكثر الأفاعين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم، والأفاك الذي يكثر الإفك، ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالإفك فأراد أن هؤلاء الأفاكين قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني وأكثرهم
٢٩٢
مفتر عليه، وعن الحسن : وكلهم.
وإنما فرق بين وإنه لتنزيل رب العالمين، وما تنزلت به الشياطين، وهل أنبئكم على من تنزل الشياطين، وهن أخوات، لأنه إذا فرق بينهن بآيات ليست منهن ثم رجع إليهن مرة بعد مرة دل ذلك على شدة العناية بهن كما إذا حدثت حديثاً وفي صدرك اهتمام بشيء فتعيد ذكره ولا تنفك عن الرجوع إليه.
ونزل فيمن كان يقول الشعر ويقول نحن نقول كما يقول محمد صلى الله عليه وسلّم واتبعهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٢
﴿ وَالشُّعَرَآءُ ﴾ مبتدأ خبره ﴿ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُانَ ﴾ [الشعراء : ٢٢٤] أي لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب ومدح من لا يستحق المدح، ولا يستحسن ذلك منهم إلا الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو المشركون.
قال الزجاج : إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون يتبعهم نافع ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ ﴾ [الشعراء : ٢٢٥] من الكلام ﴿ يَهِيمُونَ ﴾ خبر " أن " أي في كل فن من الكذب يتحدثون أو في كل لغو وباطل يخوضون، والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأبخلهم على حاتم.
عن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله :
فبتن بجانبيّ مصرعات
وبت أفض أغلاق الختام
فقال : وجب عليك الحد.
فقال : قد درأ الله عني الحد بقوله
٢٩٣
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٣
﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٢٦-٧١] حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد.


الصفحة التالية
Icon