ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله ﴿ إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [ص : ٢٤] كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك رضي الله عنهم ﴿ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الشعراء : ٢٢٧] أي كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر وإذ قالوا شعراً قالوه في توحيد الله تعالى والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب ومدح رسول الله والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب.
وقال أبو يزيد : الذكر الكثير ليس بالعدد والغفلة لأنه بالحضور ﴿ وَانتَصَرُوا ﴾ وهجوا ﴿ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ [غافر : ٨-١٦٥] هجوا أي ردوا هجاء من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمسلمين، وأحق الخلق بالهجاء من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهجاه.
وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال له " اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل ".
وكان يقول لحسان " قل وروح القدس معك ".
ختم السورة بما يقطع أكباد المتدبرين وهو قوله ﴿ وَسَيَعْلَمُ ﴾ وما فيه من الوعيد البليغ وقوله ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [البقرة : ١٦٥] وإطلاقه، وقوله ﴿ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٢٧] وإبهامه، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنه حين عهد إليه وكان السلف يتواعظون بها.
قال ابن عطاء : وسيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا.
وأيّ منصوب بـ ينقلبون على المصدر لا بـ يعلم لأن أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي ينقلبون أيّ انقلاب والله اعلم.
٢٩٤
سورة النمل
(مكية وهي ثلاث وتسعون آية)
﴿ طسا تِلْكَ ءَايَـاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [النمل : ١] أي وآيات كتاب مبين وتلك إشارة إلى آيات السورة، والكتاب المبين : اللوح، وآياته أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبين للناظرين فيه آياته، أو القرآن وآياته إنه يبين ما أودع فيه من العلوم والحكم وعلى هذا عطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى نحو هذا فعل السخي والجود.
ونكر الكتاب ليكون أفخم له.
وقيل : إنما نكر الكتاب هنا وعرفه في " الحجر " وعرف القرآن هنا ونكره ثمّ، لأن القرآن والكتاب اسمان علمان للمنزل على محمد عليه الصلاة والسلام ووصفان له لأنه يقرأ ويكتب، فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم، وحيث جاء بلفظ التنكير فهو الوصف ﴿ هُدًى وَبُشْرَى ﴾ [النمل : ٢] في محل النصب على الحال من آيات أي هداية وبشارة فالعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة، أو الجر على أنه بدل من كتاب أو صفة له أو الرفع على هي هدى وبشرى، أو على البدل من آيات أو على أن يكون خبراً بعد
٢٩٥
خبر لتلك أي تلك آيات وهادية من الضلالة ومبشرة بالجنة.
وقيل : هدى لجميع الخلق وبشرى ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ خاصة
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ ﴾ [الانفال : ٣] يديمون على فرائضها وسننها ﴿ وَيُؤْتُونَ الزكاة ﴾ [الأعراف : ١٥٦] يؤدون زكاة أموالهم ﴿ وَهُم بِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [النمل : ٣] من جملة صلة الموصول.
ويحتمل أن تتم الصلة عنده وهو استئناف كأنه قيل : وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة، ويدل عليه أنه عقد جملة اسمية وكرر فيها المبتدأ الذي هو هم حتى صار معناها وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [النمل : ٤] بخلق الشهوة حتى رأوا ذلك حسناً كما قال :﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُواءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر : ٨].