﴿ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [النمل : ٤] يترددون في ضلالتهم كما يكون حال الضال عن الطريق ﴿ أؤلئك الَّذِينَ لَهُمْ سُواءُ الْعَذَابِ ﴾ [النمل : ٥] القتل والأسر يوم بدر بما كان منهم من سوء الأعمال ﴿ وَهُمْ فِى الاخِرَةِ هُمُ الاخْسَرُونَ ﴾ [النمل : ٥] أشد الناس خسراناً لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب الله ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ ﴾ [النمل : ٦] لتؤتاه وتلقنه ﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل : ٦] من عند أيّ حكيم وأيّ عليم وهذا معنى تنكيرهما، وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٦
إذ منصوب بـ " اذكر " كأنه قال : على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى عليه السلام ﴿ قَالَ مُوسَى لاهْلِهِ ﴾ [النمل : ٧] لزوجته ومن معه عند مسيره من مدين إلى
٢٩٦
مصر ﴿ إِنِّى ءَانَسْتُ ﴾ [النمل : ٧] أبصرت ﴿ نَارًا سَـاَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ ﴾ [النمل : ٧] عن حال الطريق لأنه كان قد ضله ﴿ أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍ ﴾ [النمل : ٧] بالتنوين : كوفي أي شعلة مضيئة ﴿ قَبَسٍ ﴾ نار مقبوسة بدل أو صفة.
وغيرهم بشهاب قبس على الإضافة لأنه يكون قبساً وغير قبس.
ولا تدافع بين قوله سآتيكم هنا ولعلي آتيكم في القصص مع أن أحدهما ترجٍ والآخر تيقن، لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة، ومجيئه بسين التسويف عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ أو كانت المسافة بعيدة وبأو لأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعاً لم يعدم واحدة منها إما هداية الطريق وإما اقتباس النار ولم يدر أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين وهما عز الدنيا والآخرة، واختلاف الألفاظ في هاتين السورتين والقصة واحدة دليل على جواز نقل الحديث بالمعنى، وجواز النكاح بغير لفظ التزوج.
﴿ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ [النمل : ٧] تستدفئون بالنار من البرد الذي أصابكم، والطاء بدل من تاء افتعل لأجل الصاد
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٦
﴿ فَلَمَّا جَآءَهَا ﴾ [النمل : ٨] أي النار التي أبصرها ﴿ نُودِىَ ﴾ موسى ﴿ أَن بُورِكَ ﴾ [النمل : ٨] مخففة من الثقيلة وتقديره ونودي بأنه بورك والضمير ضمير الشأن، وجاز ذلك من غير عوض وإن منعه الزمخشري لأن قوله بورك دعاء والدعاء يخالف غيره في أحكام كثيرة، أو مفسرة لأن في النداء معنى القول أي قيل له بورك أي قدس أو جعل فيه البركة والخير ﴿ مَن فِى النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [النمل : ٨] أي بورك من في مكان النار وهم الملائكة ومن حول مكانها أي موسى لحدوث أمر ديني فيها وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه ﴿ وَسُبْحَـانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [النمل : ٨] هو من جملة ما نودي فقد نزه ذاته عما لا يليق به من التشبيه وغيره.
﴿ يَـامُوسَى إِنَّهُا أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النمل : ٩] الضمير في إنه للشأن والشأن أنا الله مبتدأ وخبره والعزيز الحكيم صفتان للخبر، أو يرجع إلى ما دل عليه ما قبله أي إن مكلمك أنا والله بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان للمبين، وهو تمهيد لما أراد أن يظهر على يده من المعجزات.
٢٩٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٧