﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ﴾ [النمل : ١٠] لتعلم معجزتك فتأنس بها وهو عطف على بورك لأن المعنى نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك كلاهما تفسير لـ نودي والمعنى قيل له بورك من في النار وقيل له ألق عصاك، ويدل عليه ما ذكر في سورة القصص وأن ألق عصاك بعد قوله ﴿ أَن يَـاإِبْرَاهِيمُ ﴾ على تكرير حرف التفسير ﴿ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ ﴾ [النمل : ١٠] تتحرك حال من الهاء في ﴿ رَءَاهَا ﴾ ﴿ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾ [النمل : ١٠] حية صغيرة حال من الضمير في تهتز ﴿ وَلَّى ﴾ موسى ﴿ مُدْبِرًا ﴾ أدبر عنها وجعلها تلي ظهره خوفاً من وثوب الحية عليه ﴿ وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ [القصص : ٣١] ولم يلتفت أولم يرجع.
يقال قد عقب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى فنودي ﴿ يَـامُوسَى لا تَخَفْ إِنِّى لا يَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل : ١٠] أي لا يخاف عندي المرسلون حال خطابي إياهم أولاً يخاف لدي المرسلون من غيري ﴿ إِلا مَن ظَلَمَ ﴾ [النمل : ١١] أي لكن من ظلم من غيرهم لأن الأنبياء لا يظلمون، أو لكن من ظلم منهم من ذل من المرسلين فجاء غير ما أذنت له مما يجوز على الأنبياء كما فرط من آدم ويونس وداود وسليمان عليهم السلام ﴿ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنَا ﴾ [النمل : ١١] أي أتبع توبة ﴿ بَعْدَ سُواءٍ ﴾ [النمل : ١١] زلة ﴿ فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النمل : ١١] أقبل توبته وأغفر زلته وأرحمه فأحقق أمنيته وكأنه تعريض بما قال موسى حين قتل القبطي :﴿ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُا ﴾ [القصص : ١٦].
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٨
﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ ﴾ [النمل : ١٢] جيب قميصك وأخرجها ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ ﴾ [طه : ٢٢] نيرة تغلب نور الشمس ﴿ مِنْ غَيْرِ سُواءٍ ﴾ [طه : ٢٢] برص وبيضاء ومن غير سوء حالان ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى ﴾ [النمل : ١٢] كلام مستأنف و " في " يتعلق بمحذوف أي اذهب في تسع آيات أو وألق عصاك وأدخل يدك في جملة تسع آيات ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ﴾ [النمل : ١٢] " إلى " يتعلق بمحذوف أي مرسلاً إلى فرعون وقومه ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَـاسِقِينَ ﴾ [النمل : ١٢] خارجين عن أمر الله كافرين
٢٩٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٨
﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَـاتُنَا ﴾ [النمل : ١٣] أي معجزاتنا ﴿ مُبْصِرَةً ﴾ حال أي ظاهرة بينة جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لملابستهم إياها بالنظر والتفكر فيها، أو جعلت كأنها تبصر فتهدي لأن الأعمى لا يقدر على الاهتداء فضلاً أن يهدي غيره ومنه قولهم " كلمة عيناء وعوراء " لأن الكلمة الحسنة ترشد والسيئة تغوي ﴿ قَالُوا هَـاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [النمل : ١٣] ظاهر لمن تأمله وقد قوبل بين المبصرة والمبين ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا ﴾ [النمل : ١٤] قيل : الجحود لا يكون إلا من علم من الجاحد وهذا ليس بصحيح، لأن الجحود هو الإنكار وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به وقد يكون بعد المعرفة تعنتاً كذا ذكره في شرح التأويلات.
وذكر في الديوان يقال جحد حقه وبحقه بمعنى.
والواو في ﴿ وَاسْتَيْقَنَتْهَآ ﴾ للحال و " قد " بعدها مضمرة والاستيقان أبلغ من الإيقان ﴿ أَنفُسُهُمْ ﴾ أي جحدوها بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم ﴿ ظُلْمًا ﴾ حال من الضمير في وجحدوا وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات من عند الله ثم سماها سحراً بيناً ﴿ وَعُلُوًّا ﴾ ترفعاً عن الإيمان بما جاء به موسى ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف : ١٠٣] وهو الإغراق هنا والإحراق ثمة.
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا ﴾ [الأنبياء : ٥١] أعطينا ﴿ دَاوُادَ وَسُلَيْمَـانَ عِلْمًا ﴾ [النمل : ١٥] طائفة من العلم أو علماً سنياً غزيراً والمراد علم الدين والحكم ﴿ وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل : ١٥] والآيات حجة لنا على المعتزلة في ترك الأصلح وهنا محذوف ليصح عطف الواو عليه ولولا تقدير المحذوف لكان الوجه الفاء كقولك " أعطيته فشكر "، وتقديره : آتيناهما علماً فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه وقالا الحمد لله الذي فضلنا، والكثير المفضل عليه من لم يؤت علماً أو من لم يؤت مثل علمهما، وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير.
وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدم
٢٩٩