جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٤
﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ [النمل : ٢٤] أي سبيل التوحيد ﴿ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل : ٢٤] إلى الحق ولا يبعد من الهدهد التهدي إلى معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وحرمة السجود للشمس إلهاماً من الله كما ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة التي لا يكاد العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها.
﴿ أَلا يَسْجُدُوا ﴾ [النمل : ٢٥] بالتشديد أي فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا فحذف الجار مع " أن " وأدغمت النون في اللام، ويجوز أن تكون " لا " مزيدة ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا.
وبالتخفيف : يزيد وعلي، وتقديره : ألا يا هؤلاء اسجدوا فـ " ألا " للتنبيه و " يا " حرف نداء ومناداه محذوف، فمن شدد لم يقف إلا على العرش العظيم، ومن خفف وقف على فهم لا يهتدون ثم ابتدأ ألا يسجدوا أو وقف على ألايا ثم ابتدأ اسجدوا وسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعاً بخلاف ما يقوله الزجاج إنه لا يجب السجود مع التشديد، لأن مواضع السجدة إما أمر بها أو مدح للاتي بها أو ذم لتاركها، وإحدى القراءتين أمر والآخرى ذم للتارك ﴿ لِلَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْءَ ﴾ [النمل : ٢٥] سمى المخبوء بالمصدر ﴿ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [مريم : ٩٣] قتادة خبء السماء المطر وخبء الأرض النبات ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [النمل : ٢٥] وبالتاء فيهما : علي وحفص ﴿ اللَّهُ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [طه : ٨] وصف الهدهد عرش الله بالعظيم تعظيم به بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض، ووصفه عرش بلقيس تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك إلى ههنا كلام الهدهد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٥
فلما فرغ من كلامه ﴿ قَالَ ﴾ سليمان للهدهد ﴿ سَنَنظُرُ ﴾ من النظر الذي هو التأمل ﴿ أَصَدَقْتَ ﴾ فيما أخبرت ﴿ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ ﴾ [النمل : ٢٧] وهذا أبلغ من " أم كذبت " لأنه إذا كان معروفاً
٣٠٥
بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذباً لا محالة، وإذا كان كاذباً اتهم بالكذب فيما أخبر به فلم يوثق به، ثم كتب سليمان كتاباً صورته : من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ : بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من ابتع الهدى، أما بعد فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه وقال للهدهد :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٥
﴿ اذْهَب بِّكِتَـابِى هَـاذَا فَأَلْقِهْ ﴾ [النمل : ٢٨] بسكون الهاء تخفيفاً : أبو عمرو وعاصم وحمزة، ويختلسها كسراً لتدل الكسرة على الياء المحذوفة : يزيد وقالون ويعقوب، بإثبات الياء : غيرهم ﴿ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ﴾ [يس : ١٤] إلى بلقيس وقومها لأنه ذكرهم معها في قوله وجدتها وقومها يسجدون للشمس وبني الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك ﴿ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ [النمل : ٢٨] تنح عنهم إلى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولونه بمسمع منك ﴿ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ [النمل : ٢٨] ما الذي يردونه من الجواب.
فأخذ الهدهد الكتاب بمنقاره ودخل عليها من كوة فطرح الكتاب على نحرها وهي راقدة وتوارى في الكوة فانتبهت فزعة، أو أتاها والجنود حواليها فرفرف ساعة وألقى الكتاب في حجرها وكانت قارئة، فلما رأت الخاتم.
﴿ قَالَتْ ﴾ لقومها خاضعة خائفة ﴿ اللَّهِ إِنِّى ﴾ وبفتح الياء : مدني ﴿ أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَـابٌ كَرِيمٌ ﴾ [النمل : ٢٩] حسن مضمونه وما فيه أو مختوم.
قال عليه الصلاة والسلام :" كرم الكتاب ختمه " وقيل : من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به، أو مصدر ببسم الله الرحمن الرحيم أو لأنه من عند ملك كريم.
﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَـانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل : ٣٠] هو تبيين لما ألقى إليها كأنها لما قالت إني ألقي إلى كتاب كريم قيل لها : ممن هو وما هو؟ فقالت : إنه من سليمان وإنه كيت وكيت.
و " أن " فيه ﴿ أَلا تَعْلُوا ﴾ [النمل : ٣١] لا تترفعوا ﴿ عَلَى ﴾ ولا تتكبروا كما يفعل الملوك
٣٠٦


الصفحة التالية
Icon