﴿ فَنَاظِرَةُ ﴾ فمنتظرة ﴿ بِمَ ﴾ أي بـ " ما " لأن الألف تحذف مع حرف الجر في الاستفهام ﴿ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل : ٣٥] بقبولها أم بردها لأنها عرفت عادة الملوك وحسن مواقع الهدايا عندهم، فإن كان ملكاً قبلها وانصرف، وإن كان نبياً ردها ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه.
فبعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر، وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان، وألف لبنة من ذهب وفضة وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت وحقاً فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب، وبعثت رسلاً وأمرت عليهم المنذر بن عمرو بدليل قوله تعالى ؛ بم يرجع المرسلون.
وكتبت كتاباً فيه نسخة الهدايا وقالت فيه : إن كنت نبياً فميز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بما في الحق واثقب الدرة ثقباً واسلك في الخرزة خيطاً.
ثم قالت للمنذر : إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك منظره، وإن رأيته بشاشاً لطيفاً فهو نبي.
فأقبل الهدهد وأخبر سليمان الخبر كله فأمر سليمان الجن فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوها في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ، وجعلوا حول الميدان حائطاً شرفه من الذهب والفضة، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبنات، وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن اليمين واليسار، ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه، واصطفت الشياطين صفوفاً فراسخ، والإنس صفوفاً فراسخ، والوحش والسباع والطيور والهوام كذلك، فلما دنا القوم ورأوا الدواب تروث على اللبن رموا بما معهم من الهدايا، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم سليمان بوجه طلق فأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه وقال : أين الحق؟ فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأخذت دودة بيضاء
٣٠٨
الخيط بفيها ونفذت فيها، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية وقال للمنذر : ارجع إليهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٨
﴿ فَلَمَّا جَآءَ ﴾ [الحجر : ٦١] رسولها المنذر بن عمرو ﴿ سُلَيْمَـانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ﴾ [النمل : ٣٦] بنونين وإثبات الياء في الوصل والوقف : مكي وسهل، وافقهما مدني وأبو عمرو في الوصل.
حمزة ويعقوب في الحالين، وغيرهم بنونين بلا يا ء فيهما، والخطاب للرسل ﴿ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَـاـانِاَ اللَّهُ ﴾ [النمل : ٣٦] من النبوة والملك والنعمة.
وبفتح الباء : مدني وأبو عمرو وحفص ﴿ خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَـاـاكُم ﴾ [النمل : ٣٦] من زخارف الدنيا ﴿ بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [النمل : ٣٦] الهدية اسم المهدي كما أن العطية اسم المعطي فتضاف إلى المهدي والمهدى له تقول " هذه هدية فلان " تريد هي التي أهداها أو أهديت إليه، والمعنى أن ما عندي خير مما عندكم وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع، وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه فكيف يرضى مثلي بأن يمد بمال بل أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فلذلك تفرحون بما تزادون ويهدى إليكم لأن ذلك مبلغ همتكم، وحالي خلاف حالكم وما أرضي منكم بشيء ولا أفرح به إلا بالإيمان وترك المجوسية.
والفرق بين قولك " أتمدونني بمال وأنا أغنى منكم " وبين أن تقوله بالفاء أني إذا قلته بالواو جعلت مخاطبي عالماً بزيادتي في الغنى وهو مع ذلك يمدني بمال، وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفيت عليه حالي فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده كأني أقول له : أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه، وعليه ورد فما آتاني الله ووجه الإضراب أنه لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح إلا أن يهدى إليهم حظ من الدنيا التي يعلمون غيرها.
﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ﴾ [النمل : ٣٧] خطاب للرسول أو الهدهد محملاً كتاباً آخر إليهم ائت بلقيس وقومها ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُم بِهَا ﴾ [النمل : ٣٧] لا طاقة لهم بها وحقيقة القبل المقاومة
٣٠٩


الصفحة التالية
Icon