والمقابلة أي لا يقدرون أن يقابلوهم ﴿ وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ ﴾ [النمل : ٣٧] من سبأ ﴿ أَذِلَّةً وَهُمْ صَـاغِرُونَ ﴾ [النمل : ٣٧] الذل أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العز والملك، والصغار أن يقعوا في أسر واستعباد.
فلما رجع إليها رسولها بالهدايا وقص عليها القصة قالت : هو نبي وما لنا به طاقة ثم جعلت عرشها في آخر سبعة أبيات وغلقت الأبواب ووكلت به حرساً يحفظونه، وبعثت إلى سليمان إني قادمة إليك لأنظر ما الذي تدعو إليه، وشخصت إليه في إثني عشر ألف.
قيل : تحت كل قيل ألوف فلما بلغت على رأس فرسخ من سليمان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٩
﴿ قَالَ يَـا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ﴾ أراد أن يريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى به من إجراء العجائب على يده مع إطلاعها على عظم قدرة الله تعالى وعلى ما يشهد لنبوة سليمان، أو أراد أن يأخذه قبل أن تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها وهذا بعيد عند أهل التحقيق، أو أراد أن يؤتى به فينكر ويغير ثم ينظر أتثبته أم تنكره اختباراً لعقلها ﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ ﴾ [النمل : ٣٩] وهو الخبيث المارد واسمه ذكوان ﴿ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ [النمل : ٣٩] مجلس حكمك وقضائك ﴿ وَإِنِّى عَلَيْهِ ﴾ [النمل : ٣٩] على حمله ﴿ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل : ٣٩] آتي به كما هو لا آخذ منه شيئاً ولا أبدله.
فقال سليمان عليه السلام : أريد أعجل من هذا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٠
﴿ قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـابِ ﴾ [النمل : ٤٠] أي ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله تعالى عند قول العفريت، أو جبريل عليه السلام، والكتاب على هذا اللوح المحفوظ، أو الخضر أو اصف بن برخيا كاتب سليمان وهو الأصح وعليه الجمهور، وكان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وهو : يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أو يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً " واحداً " لا إله إلا أنت.
وقيل : كان له علم بمجاري الغيوب
٣١٠
إلهاماً ﴿ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ ﴾ [النمل : ٣٩] بالعرش و اتيك في الموضعين يجوز أن يكون فعلاً أو اسم فاعل.
ومعنى قوله ﴿ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ [النمل : ٤٠] أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك.
ويروى أن اصف قال لسليمان عليه السلام : مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد عينيه فنظر نحو اليمن فدعا اصف فغار العرش في مكانه ثم نبع عند مجلس سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتد طرفه ﴿ فَلَمَّا رَءَاهُ ﴾ [النمل : ٤٠] أي العرش ﴿ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ ﴾ [النمل : ٤٠] ثابتاً لديه غير مضطرب ﴿ قَالَ هَـاذَا ﴾ [الأنعام : ٧٦] أي حصول مرادي وهو حضور العرش في مدة ارتداد الطرف ﴿ مِن فَضْلِ رَبِّى ﴾ [النمل : ٤٠] عليّ وإحسانه إلي بلا استحقاق مني بل هو فضل خال من العوض صافٍ عن الغرض ﴿ قَالَ الَّذِى ﴾ [النمل : ٤٠] ليمتحنني أأشكر إنعامه ﴿ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ [النمل : ٤٠] لأنه يحط به عنها عبء الواجب ويصونها عن سمة الكفران ويستجلب به المزيد وترتبط به النعمة، فالشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة.
وفي كلام بعضهم : إن كفران النعمة بوار وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم راهنها بكرم الجوار.
واعلم أن سبوغ ستر الله تعالى متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقاراً أي لم تشكر لله نعمة ﴿ وَمَن كَفَرَ ﴾ [النور : ٥٥] بترك الشكر على النعمة ﴿ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ ﴾ [النمل : ٤٠] عن الشكر ﴿ كَرِيمٌ ﴾ بالإنعام على من يكفر نعمته، قال الواسطي : ما كان منا من الشكر فهو لنا، وما كان منه من النعمة فهو إلينا وله المنة والفضل علينا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٠