﴿ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا ﴾ [النمل : ٤١] غيروا أي اجعلوا مقدمة مؤخره وأعلاه أسفله ﴿ نَنظُرْ ﴾ بالجزم على الجواب ﴿ أَتَهْتَدِى ﴾ إلى معرفة عرشها أو للجواب الصواب إذا سئلت عنه ﴿ أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَآءَتْ ﴾ بلقيس ﴿ قِيلَ أَهَـاكَذَا عَرْشُكِ ﴾ [النمل : ٤٢] " ها " للتنبيه والكاف للتشبيه و " ذا " اسم إشارة ولم يقل " أهذا عرشك " ولكن أمثل هذا عرشك لئلا يكون تلقيناً ﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ [النمل : ٤٢] فأجابت أحسن جواب فلم تقل " هو هو " و " لا ليس به " وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع في المحتمل للامرين، أو لما شبهوا عليها بقولهم : أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها ﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ [النمل : ٤٢] مع أنها علمت أنه عرشها
٣١١
﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا ﴾ [النمل : ٤٢] من كلام بلقيس أي وأوتينا العلم بقدرة الله تعالى وبصحة نبوتك بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبل هذه المعجزة أي إحضار العرش أو من قبل هذه الحالة ﴿ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل : ٤٢] منقادين لك مطيعين لأمرك، أو من كلام سليمان وملئه عطفوا على كلامها قولهم : وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها، أو أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين موحدين خاضعين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١١
﴿ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [النمل : ٤٣] متصل بكلام سليمان أي وصدها عن العلم بما علمناه أو عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين أظهر الكفرة.
ثم بين نشأها بين الكفرة بقوله ﴿ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَـافِرِينَ ﴾ [النمل : ٤٣] أو كلام مبتدأ أي قال الله تعالى وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل، أو صدها الله، أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل.
﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الصَّرْحَ ﴾ [النمل : ٤٤] أي القصر أو صحن الدار ﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ﴾ [النمل : ٤٤] ماء عظيماً ﴿ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ [النمل : ٤٤] سأقيها بالهمزة : مكي.
روي أن سليمان أمر قبل قدومها فبنى له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه السمك وغيره، ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس.
وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاماً لأمره وتحقيقاً لنبوته.
وقيل : إن الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم لأنها كانت بنت جنية.
وقيل : خافوا أن يولد له منها ولد يجمع فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد فقالوا له : إن في عقلها شيئاً وهي شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار، فاختبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليعرف ساقها ورجلها فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً إلا أنها شعراء فصرف بصره ﴿ قَالَ ﴾ لها ﴿ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ ﴾ [النمل : ٤٤] مملس مستو ومنه الأمرد ﴿ مِّن قَوَارِيَرَ ﴾ [النمل : ٤٤] من الزجاج.
وأراد سليمان تزوجها فكره شعرها فعملت لها الشياطين النورة فأزالته فنكحها سليمان وأحبها وأقرها على
٣١٢
ملكها وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ﴾ [النمل : ٤٤] بعبادة الشمس ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [النمل : ٤٤] قال المحققون : لا يحتمل أن يحتال سليمان لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية فلا يصح القول بمثله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٢


الصفحة التالية
Icon