﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ ﴾ [النمل : ٤٥] في النسب ﴿ صَـالِحًا ﴾ بدل ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ [المائدة : ١١٧] بكسر النون في الوصل : عاصم وحمزة وبصري، وبضم النون : غيرهم اتباعاً للباء، والمعنى بأن اعبدوا الله وحدوه ﴿ فَإِذَا ﴾ للمفاجأة ﴿ هُمُ ﴾ مبتدأ ﴿ فَرِيقَانِ ﴾ خبر ﴿ يَخْتَصِمُونَ ﴾ صفة وهي العامل في ﴿ إِذَآ ﴾ والمعنى فإذا قوم صالح فريقان مؤمن به وكافر به يختصمون فيقول كل فريق الحق معي وهو مبين في قوله :﴿ قَالَ الْمَلا الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِى ءَامَنتُم بِهِ كَـافِرُونَ ﴾.
وقال الفريق الكافر :﴿ وَقَالُوا يَـاصَـالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ بالعذاب الذي توعدون ﴿ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾ [النمل : ٤٦] قبل التوبة ﴿ لَوْلا ﴾ هلا ﴿ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ ﴾ [النمل : ٤٦] تطلبون المغفرة من كفركم بالتوبة والإيمان قبل نزول العذاب بكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران : ١٣٢] بالإجابة ﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ ﴾ [النمل : ٤٧] تشاءمنا بك لأنهم قحطوا عند مبعثه لتكذيبهم فنسبوه إلى مجيئه.
والأصل ﴿ تَطَيَّرْنَا ﴾ وقريء به فأدغمت التاء في الطاء وزيدت الألف لسكون الطاء ﴿ وَبِمَن مَّعَكَ ﴾ [النمل : ٤٧] من المؤمنين ﴿ قَالَ طَـائرُكُمْ عِندَ اللَّهِ ﴾ [النمل : ٤٧] أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله وهو قدره وقسمته، أو عملكم مكتوب عند الله فإنما نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة ومنه ﴿ وَكُلَّ إِنسَـانٍ أَلْزَمْنَـاهُ طَـائرَهُ فِى عُنُقِهِ ﴾ [الإسراء : ١٣] وأصله أن المسافر إذا مر بطائر فيزجره فإن مر سانحاً تيمن، وإذا مر بارحاً تشأم، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله
٣١٣
وقسمته، أو من عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ [النمل : ٤٧] تختبرون أو تعذبون بذنبكم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٣
﴿ وَكَانَ فِى الْمَدِينَةِ ﴾ [النمل : ٤٨] مدينة ثمود وهي الحجر ﴿ تِسْعَةُ رَهْطٍ ﴾ [النمل : ٤٨] هو جمع لا واحد له ولذا جاز تمييز التسعة به فكأنه قيل تسعة أنفس، وهو من الثلاثة إلى العشرة.
وعن أبي دؤاد : رأسهم قدار بن سالف وهم الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا أبناء أشرافهم ﴿ يُفْسِدُونَ فِى الارْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء : ١٥٢] يعني أن شأنهم الإفساد البحت لا يخلط بشيء من الصلاح كما ترى بعض المفسدين قد يندر منه بعض الصلاح.
وعن الحسن يظلمون الناس ولا يمنعون الظالمين من الظلم.
وعن ابن عطاء : يتبعون معايب الناس ولا يسترون عوراتهم ﴿ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ﴾ [النمل : ٤٩] تحالفوا خبر في محل الحال بإضمار " قد " أي قالوا متقاسمين أو أمر أي أمر بعضهم بعضاً بالقسم ﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ ﴾ لنقتلنه بياتاً أي ليلاً ﴿ وَأَهْلَهُ ﴾ ولده وتبعه ﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ﴾ [النمل : ٤٩] لولي دمه لتبيتنه بالتاء وبضم التاء الثانية ثم لتقولن بالتاء وضم اللام : حمزة وعلي ما حضرنا ﴿ شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ﴾ [النمل : ٤٩] حفص مهلك أبو بكر وحماد والمفضل من هلك، فالأول موضع الهلاك، والثاني المصدر مهلك غيرهم، من أهلك وهو الإهلاك أو مكان الإهلاك أي لم نتعرض لأهله فكيف تعرضنا له؟ أو ما حضرنا موضع هلاكه فكيف توليناه؟ ﴿ وَإِنَّا لَصَـادِقُونَ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] فيما ذكرنا.
﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل : ٥٠] مكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله.
ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة.
روي أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثالث، فخرجوا إلى الشعب وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم، فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فلم
٣١٤


الصفحة التالية
Icon