﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ [النمل : ٥٩] أمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلّم بتحميده ثم بالصلاة على المصطفين من عبادة توطئه لما يتلوه من الدلالة على وحدانيته وقدرته على كل شيء وهو تعليم لكل متكلم في كل أمر ذي بال بأن يتبرك بهما ويستظهر بمكانهما، أو هو خطاب للوط عليه السلام بأن يحمد الله على هلاك كفار قومه ويسلم على من اصطفاه الله ونجاه من هلكتهم وعصمه من ذنوبهم ﴿ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ بالياء : بصري وعاصم.
ولا خير فيما أشركوه أصلاً حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل شيء، وإنما هو إلزام لهم وتهكم بحالهم وذلك أنهم اثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ولا يؤثر عاقل شيئاً على شيء إلا لداع يدعوه إلى إيثاره من زيادة خير ومنفعة، فقيل لهم مع العلم بأنه لا خير فيما اثروه وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخير ولكن هوى وعبثاً لينبهوا على الخطأ المفرط والجهل المورط، وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد، وكان عليه الصلاة والسلام إذا قرأها قال :" بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ".
٣١٦
ثم عدد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله فقال
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٦
﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ ﴾ [النمل : ٦٠] والفرق بين " أم " و " أم " في أما يشركون و أمن خلق السماوات أن تلك متصلة إذ المعنى أيهما خير، وهذه منقطعة بمعنى " بل " والهمزة، ولما قال الله خير أم الآلهة قال بل أمن خلق السماوات والأرض خير، تقريراً لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء ﴿ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً ﴾ [النمل : ٦٠] مطراً ﴿ فَأَنابَتْنَا ﴾ صرف الكلام عن الغيبة إلى التكلم تأكيداً لمعنى اختصاص الفعل بذاته وإيذاناً بأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والأشكال مع حسنها بماء واحد لا يقدر عليه إلا هو وحده ﴿ بِهِ ﴾ بالماء ﴿ حَدَآ ـاِقَ ﴾ بساتين، والحديقة : البستان وعليه حائط من الإحداق وهو الإحاطة ﴿ ذَاتَ ﴾ ولم يقل " ذوات " لأن المعنى جماعة حدائق كما تقول النساء ذهبت ﴿ بَهْجَةٍ ﴾ حسن لأن الناظر يبتهج به.
ثم رشح معنى الاختصاص بقوله ﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنابِتُوا شَجَرَهَآ ﴾ [النمل : ٦٠] ومعنى الكينونة الانبغاء أراد أنّ تأتّى ذلك محال من غيره ﴿ أَءِلَـاهٌ مَّعَ اللَّهِ ﴾ [النمل : ٦١] أغيره يقرن به ويجعل شريكاً له ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [النمل : ٦٠] به غيره أو يعدلون عن الحق الذي هو التوحيد و بل هم بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٧
﴿ أَمَّن جَعَلَ الارْضَ ﴾ [النمل : ٦١] وما بعده بدل من خلق فكان حكمها حكمه ﴿ قَرَارًا ﴾ دحاها وسواها للاستقرار عليها ﴿ وَجَعَلَ خِلَـالَهَآ ﴾ [النمل : ٦١] ظرف أي وسطها وهو المفعول الثاني والأول ﴿ أَنْهَـارًا ﴾ وبين البحرين مثله ﴿ وَجَعَلَ لَهَا ﴾ [النمل : ٦١] للأرض ﴿ رَوَاسِىَ ﴾ جبالاً تمنعها عن الحركة ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ [النمل : ٦١] العذب والمالح ﴿ حَاجِزًا ﴾ مانعاً أن يختلطا ﴿ أَءِلَـاهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل : ٦١] التوحيد فلا يؤمنون ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [النمل : ٦٢] الاضطرار افتعال من الضرورة وهي الحالة
٣١٧
المحوجة إلى اللجأ.
يقال اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر، والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله، أو المذنب إذا استغفر، أو المظلوم إذا دعا، أو من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة غير التوحيد وهو منه على خطر ﴿ وَيَكْشِفُ السُّواءَ ﴾ [النمل : ٦٢] الضر أو الجور ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الارْضِ ﴾ [النمل : ٦٢] أي فيها وذلك توارثهم سكناها والتصرف فيها قرناً بعد قرن، أو أراد بالخلافة الملك والتسلط ﴿ أَءِلَـاهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل : ٦٢] وبالياء : أبو عمرو، وبالتخفيف : حمزة وعلي وحفص.
و " ما " مزيدة أي تذكرون تذكراً قليلاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٧