﴿ أَمَّن يَهْدِيكُمْ ﴾ [النمل : ٦٣] يرشدكم بالنجوم ﴿ فِى ظُلُمَـاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الأنعام : ٩٧] ليلاً وبعلامات في الأرض نهاراً ﴿ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَـاحَ ﴾ [النمل : ٦٣] الريح مكي وحمزة وعلى ﴿ بُشْرَا ﴾ من البشارة وقد مرّ في " الأعراف " ﴿ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ ﴾ [النمل : ٦٣] قدام المطر ﴿ أَءِلَـاهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَـالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ﴾ ينشيء الخلق ﴿ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ [العنكبوت : ١٩] وإنما قيل لهم ﴿ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ [العنكبوت : ١٩] وهم منكرون للإعادة لأنه أزيحت علتهم بالتمكن من المعرفة والإقرار فلم يبق لهم عذر في الإنكار ﴿ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ ﴾ [النمل : ٦٤] أي المطر ﴿ وَالارْضِ ﴾ أي ومن الأرض النبات ﴿ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَـانَكُمْ إِن ﴾ [النمل : ٦٤] حجتكم على إشراككم ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] في دعواكم أن مع الله إلهاً آخر.
﴿ قُل لا يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ﴾ [النمل : ٦٥] من فاعل يعلم والغيب هو ما لم يقم عليه دليل ولا أطلع عليه مخلوق مفعوله والله بدل من من والمعنى لا يعلم أحد الغيب إلا الله.
نعم إن الله تعالى يتعالى عن أن يكون ممن في السماوات والأرض ولكنه جاء على لغة بني تميم حيث يجرون الاستثناء المنقطع مجرى المتصل ويجيزون النصب والبدل في المنقطع كما في المتصل ويقولون ما في الدار
٣١٨
أحد إلا حمار.
وقالت عائشة رضي الله عنها : من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول :﴿ قُل لا يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ﴾ [النمل : ٦٥].
وقيل : نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن وقت الساعة ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة : ٩] وما يعلمون ﴿ أَيَّانَ ﴾ متى ﴿ يُبْعَثُونَ ﴾ ينشرون
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٨
﴿ بَلِ ادَّارَكَ ﴾ [النمل : ٦٦] أدرك مكي وبصري ويزيد والمفضل أي انتهى وتكامل من أدركت الفاكهة تكاملت نضجاً ﴿ بَلِ ادَّارَكَ ﴾ [النمل : ٦٦] عن الأعشى افتعل.
﴿ بَلِ ادَّارَكَ ﴾ [النمل : ٦٦] غيرهم استحكم وأصله تدارك فأدغمت التاء في الدال وزيد ألف الوصل ليمكن التكلم بها ﴿ عِلْمُهُمْ فِى الاخِرَةِ ﴾ [النمل : ٦٦] أي في شأن الآخرة ومعناها، والمعنى أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته وهم شاكون جاهلون وذلك قوله ﴿ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴾ [النمل : ٦٦] والإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم وتكرير لجهلهم، وصفهم أولاً بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة، ثم بما هو أسوأ حالاً وهو العمى.
وقد جعل الآخرة مبتدأ عماهم ومنشأة فلذا عداه بـ " من " دون " عن " لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم عن التدبر والتفكر.
ووجه ملاءمة مضمون هذه الآية وهو وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة بما قبله وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب وأن العباد لا علم لهم بشيء منه، أنه لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب وكان هذا بياناً لعجزهم ووصفاً لقصور علمهم، وصل به أن عندهم عجزاً أبلغ منه وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بد من كونه وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به.
وجاز أن يكون وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكماً بهم كما تقول لأجهل الناس " ما أعلمك " على سبيل الهزء وذلك حيث شكوا عموا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك فضلاً أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته، ويجوز أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفني من قولك " أدركت الثمرة " لأن تلك غايتها التي عندها تعدم، وقد فسرها الحسن بإضمحل علمهم في الآخرة.
٣١٩
وتدارك من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٩