﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا وَءَابَآؤُنَآ أَاـانَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾ [النمل : ٦٧] من قبورنا أحياء وتكرير حرف الاستفهام في أءذا وأءنا في قراءة عاصم وحمزة وخلف، إنكار بعد إنكار وجحود عقيب جحود ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه.
والعامل في إذا ما دل عليه لمخرجون وهو نخرج لأن اسم الفاعل والمفعول بعد همزة الاستفهام، أو إن " أو لام الابتداء لا يعمل فيما قبله فكيف إذا اجتمعن " ؟ والضمير في " إنا " لهم ولآبائهم لأن كونهم تراباً قد تناولهم وآباءهم لكنه غلبت الحكاية على الغائب، وآباؤنا عطف على الضمير في كنا لأن المفعول جرى مجرى التوكيد ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا هَـاذَا ﴾ [النمل : ٦٨] أي البعث ﴿ نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ ﴾ [النمل : ٦٨] من قبل محمد صلى الله عليه وسلّم.
قدم هنا هذا على نحن وآباؤنا وفي المؤمنون نحن وآباؤنا على هذا ليدل على أن المقصود بالذكر هو البعث هنا وثمة المبعوثون ﴿ إِنْ هَـاذَآ إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ ﴾ [الأنعام : ٢٥] ما هذا إلا أحاديثهم وأكاذيبهم.
﴿ قُلْ سِيرُوا فِى الارْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [النمل : ٦٩] أي آخر أمر الكافرين.
وفي ذكر الإجرام لطف بالمسلمين في ترك الجرائم كقوله تعالى :﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنابِهِمْ ﴾ [الشمس : ١٤].
وقوله ﴿ مِّمَّا خَطِياـاَـاتِهِمْ أُغْرِقُوا ﴾ [نوح : ٢٥] ﴿ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الحجر : ٨٨] لأجل أنهم لم يتبعوك ولم يسلموا فيسلموا ﴿ وَلا تَكُن فِى ضَيْقٍ ﴾ [النمل : ٧٠] في حرج صدر ﴿ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل : ١٢٧] من مكرهم وكيدهم لك فإن الله يعصمك من الناس.
يقال ضاق الشيء ضيقاً بالفتح وهو قراءة غير ابن كثير وبالكسر وهو قراءته ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَـاذَا الْوَعْدُ ﴾ [يونس : ٤٨] أي وعد العذاب ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] أن العذاب نازل بالمكذب.
٣٢٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٠
﴿ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [النمل : ٧٢] استعجلوا العذاب الموعود فقيل لهم عسى أن يكون ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر فزيدت اللام للتأكيد كالباء في ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة : ١٩٥] أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنا لكم وأزف لكم ومعناه تبعكم ولحقكم، وعسى ولعل وسوف في وعد الملوك ووعيدهم يدل على صدق الأمر وجده فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ ﴾ [النمل : ٧٣] أي إفضال ﴿ عَلَى النَّاسِ ﴾ [الأعراف : ١٤٤] بترك المعاجلة بالعذاب ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يونس : ٦٠] أي أكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه فيستعجلون العذاب بجهلهم ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ ﴾ [النمل : ٧٤] تخفي ﴿ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [النمل : ٧٤] يظهرون من القول فليس تأخير العذاب عنهم لخفاء حالهم ولكن له وقت مقدر، أو أنه يعلم ما يخففون وما يعلنون من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومكايدهم وهو معاقبهم على ذلك بما يستحقونه.
وقرى تكنّ يقال كننت الشيء وأكننته إذا سترته وأخفيته ﴿ وَمَا مِنْ غَآ ـاِبَةٍ فِى السَّمَآءِ وَالارْضِ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ ﴾ [النمل : ٧٥] سمى الشيء الذي يغيب ويخفى غائبة وخافية، والتاء فيهما كالتاء في العاقبة والعافية ونظائرهما الرمية والذبيحة والنطيحة في أنها أسماء غير صفات، ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة كالراوية كأنه قال : وما من شيء شديد الغيبوبة إلا وقد علمه الله وأحاط به وأثبته في اللوح المحفوظ.
والمبين الظاهر البيّن لمن ينظر فيه من الملائكة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١
﴿ إِنَّ هَـاذَا الْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ أي يبين لهم ﴿ أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [النمل : ٧٦] فإنهم اختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزاباً ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضاً، وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا
٣٢١
وأخذوا له وأسلموا يريد اليهود والنصارى
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١