﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ ﴾ [القصص : ٥] نتفضل وهو دليل لنا في مسألة الأصلح، وهذه الجملة معطوفة على إن فرعون علا في الأرض لأنها نظيرة تلك في وقوعها تفسيراً لنبأ موسى وفرعون واقتصاصاً له، أو حال من يستضعف أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم وإرادة الله تعالى كائنة فجعلت كالمقارنة لاستضعافهم ﴿ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَاـاِمَّةً ﴾ [القصص : ٥] قادة يفتدى بهم في الخير أو قادة إلى الخير أو ولاة وملوكاً ﴿ وَنَجْعَلَهُمْ ﴾ أي يرثون فرعون وقومه ملكهم وكل ما كان لهم ﴿ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ ﴾ [القصص : ٦] مكن له إذا جعل له مكاناً يقعد عليه أو يرقد، ومعنى التمكين ﴿ لَهُمْ فِى الارْضِ ﴾ [التوبة : ٧٤] أي أرض مصر والشام أن يجعلها بحيث لا تنبو بهم ويسلطهم وينفذ أمرهم ﴿ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـامَـانَ وَجُنُودَهُمَا ﴾ [القصص : ٦] بضم النون ونصب فرعون وما بعده، وبالياء ورفع فرعون وما بعده : علي وحمزة أي يرون منهم ما حذروه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم، ويرى نصب عطف على المنصوب قبله كقراءة النون أو رفع على الاستئناف ﴿ مِنْهُم ﴾ من بني إسرائيل ويتعلق بـ نري دون يحذرون لأن الصلة لا تتقدم على الموصول ﴿ مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص : ٦] الحذر : التوقي من الضرر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٨
﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى ﴾ [القصص : ٧] بالإلهام أو بالرؤيا أو بإخبار ملك كما كان لمريم، وليس هذا وحي رسالة ولا تكون هي رسولاً ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ [القصص : ٧] " أن " بمعنى أي أو مصدرية ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ [القصص : ٧] من القتل بأن يسمع الجيران صوته فينمو عليه ﴿ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ ﴾ [القصص : ٧] البحر، قيل : هو نيل مصر ﴿ وَلا تَخَافِى ﴾ [القصص : ٧] من الغرق والضياع ﴿ وَلا تَحْزَنِى ﴾ [القصص : ٧] بفراقه ﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ ﴾ [القصص : ٧] بوجه لطيف لتربيته ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص : ٧] وفي هذه الآية
٣٢٨
أمران ونهيان وخبران وبشارتان.
والفرق بين الخوف والحزن أن الخوف غم يلحق الإنسان كمتوقع، والحزن غم يلحقه لواقع وهو فراقه والإخطار به فنهيت عنهما وبشرت برده إليها وجعله من المرسلين.
وروي أنه ذبح في طلب موسى تسعون ألف وليد.
وروي أنها حين ضربها الطلق وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالي بني إسرائيل مصافية لها فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه ودخل حبه قلبها فقالت : ما جئتك إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون ولكن وجدت لابنك حباً ما وجدت مثله فاحفظيه، فلما خرجت القابلة جاءت عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يلقوا شيئاً فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار برداً وسلاماً، فلما ألح فرعون في طلب الولدان أوحي إليها بإلقائه في اليم فألقته في اليم بعد أن أرضعته ثلاثة أشهر
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٨
﴿ فَالْتَقَطَهُا ءَالُ فِرْعَوْنَ ﴾ [القصص : ٨] أخذه، قال الزجاج : كان فرعون من أهل فارس من اصطخر ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا ﴾ [القصص : ٨] أي ليصير الأمر إلى ذلك لا أنهم أخذوه لهذا كقولهم للموت ما تلده الوالدة وهي لم تلد لأن يموت ولدها ولكن المصير إلى ذلك كذا قاله الزجاج.
وعن هذا قال المفسرون : إن هذه لام العاقبة والصيرورة.
وقال صاحب الكشاف : هي لأم كي التي معناها التعليل كقولك " جئتك لتكرمني " ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز لأن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء ﴿ وَحَزَنًا ﴾ وحزناً علي وحمزة وهما لغتان كالعدم والعدم ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـامَـانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَـاطِاِينَ ﴾ [القصص : ٨] خاطين تخفيف خاطئين : أبو جعفر أي كانوا مذنبين فعاقبهم الله بأن ربى عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم، أو كانوا خاطئين في كل شيء فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم.
﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ ﴾ [القصص : ٩] روي أنهم حين التقطوا التابوت
٣٢٩