عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه فعالجوا كسره فأعياهم فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نوراً فعالجته ففتحه فإذا بصبي نوره بين عينيه فأحبوه وكانت لفرعون بنت برصاء فنظرت إلى وجهه فبرئت، فقالت الغواة من قومه : هو الذي نحذر منه فأذن لنا في قتله، فهمّ بذلك فقالت آسية : قرة عين لي ولك.
فقال فرعون : لك، لا لي.
وفي الحديث " لو قال كما قالت لهداه الله تعالى كما هداها " وهذا على سبيل الفرض أي لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها وكان أسلم كما أسلمت.
وقرة خبر مبتدأ محذوف أي هو قرة و لي ولك صفتان لقرة ﴿ لا تَقْتُلُوهُ ﴾ [القصص : ٩] خاطبته خطاب الملوك أو خاطبت الغواة ﴿ عَسَى أَن يَنفَعَنَآ ﴾ [يوسف : ٢١] فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما عاينت من النور وبرء البرصاء ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [يوسف : ٢١] أو نتبناه فإنه أهل لأن يكون ولداً للملوك ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٥] حال، وذو حالها آل فرعون وتقدير الكلام : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، وقالت امرأة فرعون كذا وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه.
وقوله إن فرعون الآية جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم، وما أحسن نظم هذا الكلام عند أصحاب المعاني والبيان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٩
﴿ وَأَصْبَحَ ﴾ وصار ﴿ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ﴾ [القصص : ١٠] صفراً من العقل لما دهمها من فرط الجزع لما سمعت بوقوعه في يد فرعون ﴿ إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ ﴾ [القصص : ١٠] لتظهر به والضمير لموسى والمراد بأمره وقصته وأنه ولدها.
قيل : لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت كادت تصيح وتقول : وا ابناه.
وقيل : لما سمعت أن فرعون أخذ التابوت لم تشك أنه يقتله فكادت تقول : وا ابناه شفقة عليه.
و " إن " مخففة من الثقيلة أي إنها كادت ﴿ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ﴾ [القصص : ١٠] لولا ربطنا على قلبها والربط على القلب تقويته بإلهام الصبر ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص : ١٠] من المصدقين بوعدنا وهو إنا رادوه إليك وجواب " لولا " محذوف أي لأبدته أو فارغاً من الهم حين سمعت أن فرعون تبناه إن كادت لتبدي بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت لولا أنا
٣٣٠
طمأنا قلبها وسكنا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لابتبني فرعون.
قال يوسف بن الحسين : أمرت أم موسى بشيئين ونهيت عن شيئين وبشرت ببشارتين فلم ينفعها الكل حتى تولى الله حياطتها فربط على قلبها
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٠
﴿ وَقَالَتْ لاخْتِهِ ﴾ [القصص : ١١] مريم ﴿ قُصِّيهِ ﴾ اتبعي أثره لتعلمي خبره ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ ﴾ [القصص : ١١] أي أبصرته ﴿ عَن جُنُبٍ ﴾ [القصص : ١١] عن بعد حال من الضمير في به أو من الضمير في بصرت ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٥] أنها أخته ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾ [القصص : ١٢] تحريم منع لا تحريم شرع أي منعناه أن يرضع ثدياً غير ثدي أمه وكان لا يقبل ثدي مرضع حتى أهمهم ذلك.
والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع أو جمع مرضع وهو موضع الرضاع وهو الثدي أو الرضاع ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ [يوسف : ٦] من قبل قصها أثره أو من قبل أن نرده على أمه ﴿ فَقَالَتْ ﴾ أخته وقد دخلت بين المراضع ورأته لا يقبل ثدياً ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ ﴾ [القصص : ١٢] أرشدكم ﴿ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ ﴾ [القصص : ١٢] أي موسى ﴿ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَـاصِحُونَ ﴾ [القصص : ١٢] النصح إخلاص العمل من شائبة الفساد.
روي أنها لما قالت وهم له ناصحون قال هامان : إنها لتعرفه وتعرف أهله فخذوها حتى تخبر بقصة هذا الغلام، فقالت : إنما أردت وهم للملك ناصحون.
فانطلقت إلى أمها بأمرهم فجاءت بها والصبي على يد فرعون يعلله شفقة عليه وهو يبكي يطلب الرضاع، فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها، فقال لها فرعون : ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتى بصبي إلا قبلني، فدفعه إليها وأجرى عليها وذهبت به إلى بيتها وأنجز الله وعده في الرد فعندها ثبت واستقر في علمها أنه سيكون نبياً وذلك قوله :
٣٣١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣١