﴿ فَرَدَدْنَـاهُ إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ﴾ [القصص : ١٣] بالمقام معه ﴿ وَلا تَحْزَنَ ﴾ [العنكبوت : ٣٣] بفراقه ﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ [القصص : ١٣] أي وليثبت علمها مشاهدة كما علمت خبراً.
وقوله ولا تحزن معطوف على تقر وإنما حل لها ما تأخذه من الدينار كل يوم كما قال السدي لأنه مال حربي لا أنه أجرة على إرضاع ولدها ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٧] هو داخل تحت علمها أي لتعلم أن وعد الله حق، ولكن أكثر الناس لا يعلمون انه حق فيرتابون، ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى فجزعت.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٢
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ [يوسف : ٢٢] بلغ موسى نهاية القوة وتمام العقل وهو جمع شدة كنعمة وأنعم عند سيبويه ﴿ وَاسْتَوَى ﴾ واعتدل وتم استحكامه وهو أربعون سنة.
ويروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة ﴿ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [يوسف : ٢٢] نبوة ﴿ وَعِلْمًا ﴾ فقهاً أو علماً بمصالح الدارين ﴿ وَكَذَالِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام : ٨٤] أي كما فعلنا بموسى وأمه نفعل بالمؤمنين.
قال الزجاج : جعل الله تعالى إيتاء العلم والحكمة مجازاة على الإحسان لأنهما يؤديان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين، والعالم الحكيم من يعمل بعلمه لأنه تعالى قال :﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٠٢].
فجعلهم جهالاً إذ لم يعملوا بالعلم ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ ﴾ [القصص : ١٥] أي مصر ﴿ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ [القصص : ١٥] حال من الفاعل أي مختفياً وهو ما بين العشاءين أو وقت القائلة يعني انتصاف النهار.
وقيل : لما شب وعقل أخذ يتكلم بالحق وينكر عليهم فأخافوه فلا يدخل المدينة إلا على تغفل ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَـاذَا مِن شِيعَتِهِ ﴾ [القصص : ١٥] ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل.
قيل : هو السامري، وشيعة الرجل : أتباعه وأنصاره ﴿ وَهَـاذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص : ١٥] من مخالفيه من القبط وهو قانون، وقيل : فيهما هذا وهذا وإن كانا غائبين على جهة الحكاية أي إذا نظر إليهما الناظر قال :
٣٣٢
هذا من شيعته وهذا من عدوه ﴿ فَاسْتَغَـاثَهُ ﴾ فاستنصره ﴿ الَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى ﴾ [القصص : ١٥] ضربه بجمع كفه أو بأطراف أصابعه ﴿ فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ [القصص : ١٥] فقتله ﴿ قَالَ هَـاذَا ﴾ [الأنعام : ٧٦] إشارة إلى القتل الحاصل بغير قصد ﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ ﴾ [القصص : ١٥] وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسماه ظلماً لنفسه واستغفر منه لأنه كان مستأمناً فيهم ولا يحل قتل الكافر الحربي المستأمن، أو لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل، وعن ابن جريج : ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر ﴿ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ﴾ [القصص : ١٥] ظاهر العداوة
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٢
﴿ قَالَ رَبِّ ﴾ [آل عمران : ٤١] يا رب ﴿ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ﴾ [القصص : ١٦] بفعل صار قتلاً ﴿ فَاغْفِرْ لِى ﴾ [القصص : ١٦] زلتي ﴿ فَغَفَرَ لَهُا ﴾ [القصص : ١٦] زلته ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ ﴾ [يوسف : ٩٨] بإقالة الزلل ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بإزالة الخجل ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا ﴾ [القصص : ١٧] معيناً ﴿ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ للكافرين وبما أنعمت على قسم جوابه محذوف تقديره أقسم بإنعامك علي بالمغفرة لأتوبن فلن أكون ظهيراً للمجرمين، أو استعطاف كأنه قال : رب اعصمني بحق ما أنعمت علي من المغفرة فلن أكون إن عصمتني ظهيراً للمجرمين، وأراد بمظاهرة المجرمين صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكثيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد.