﴿ فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَآ ـاِفًا ﴾ [القصص : ١٨] على نفسه من قتله القبطي أن يؤخذ به ﴿ يَتَرَقَّبُ ﴾ حال أي يتوقع المكروه وهو الاستقادة منه أو الأخبار أو ما يقال فيه، وقال ابن عطاء : خائفاً على نفسه يترقب نصرة ربه.
وفيه دليل على أنه لا بأس بالخوف من دون الله بخلاف ما يقوله بعض الناس أنه لا يسوغ الخوف من دون الله ﴿ فَإِذَا الَّذِى ﴾ [القصص : ١٨] إذا للمفاجأة وما بعدها مبتدأ ﴿ اسْتَنْصَرَهُ ﴾ أي موسى ﴿ بِالامْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ﴾ [القصص : ١٨] يستغيثه والمعنى أن الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانياً من قبطي آخر ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى ﴾ [القصص : ١٨] أي للإسرائيلي ﴿ إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ ﴾ [القصص : ١٨] أي ضال عن الرشد ظاهر الغي فقد قاتلت بالأمس رجلاً فقتلته بسببك، والرشد في التدبير أن لا يفعل فعلاً يفضي إلى البلاء على نفسه وعلى من يريد نصرته.
٣٣٣
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٣
﴿ فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ ﴾ [القصص : ١٩] موسى ﴿ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِى ﴾ [القصص : ١٩] بالقبطي الذي ﴿ هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا ﴾ [القصص : ١٩] لموسى والإسرائيلي لأنه ليس على دينهما، أو لأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل ﴿ قَالَ ﴾ الإسرائيلي لموسى عليه السلام وقد توهم أنه أراد أخذه لا أخد القبطي إذ قال له إنك لغوي مبين ﴿ يَـامُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسَا ﴾ [القصص : ١٩] يعني القبطي ﴿ بِالامْسِ إِن تُرِيدُ ﴾ [القصص : ١٩] ما تريد ﴿ إِلا أَن تَكُونَ جَبَّارًا ﴾ [القصص : ١٩] أي قتالاً بالغضب ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] أرض مصر ﴿ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [القصص : ١٩] في كظم الغيظ، وكان قتل القبطي بالأمس قد شاع ولكن خفي قاتله، فلما أفشى على موسى عليه السلام علم القبطي أن قاتله موسى فأخبر فرعون فهموا بقتله.
﴿ فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَآ ـاِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِى اسْتَنْصَرَهُ بِالامْسِ يَسْتَصْرِخُهُا قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ ﴾ هو مؤمن آل فرعون وكان ابن عم فرعون ﴿ يَسْعَى ﴾ صفة لرجل أو حال من رجل لأنه وصف بقوله من أقصى المدينة ﴿ قَالَ يَـامُوسَى إِنَّ الْمَلا يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ﴾ أي يأمر بعضهم بعضاً بقتلك أو يتشاورون بسببك، والائتمار : التشاور.
يقال الرجلان يتامران ويأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر ﴿ فَاخْرُجْ ﴾ من المدينة ﴿ إِنِّى لَكَ مِنَ النَّـاصِحِينَ ﴾ [القصص : ٢٠] لك بيان وليس بصلة الناصحين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول كأنه قال : إني من الناصحين، ثم أراد أن يبين فقال : لك كما يقال سقياً لك ومرحباً لك ﴿ فَخَرَجَ ﴾ موسى ﴿ مِّنْهَا ﴾ من المدينة ﴿ خَآ ـاِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص : ١٨] التعرض له في الطريق أو أن يلحقه من يقتله ﴿ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ ﴾ [القصص : ٢١] أي قوم فرعون.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤
﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ ﴾ [القصص : ٢٢] نحوها، والتوجه الإقبال على الشيء، ومدين قرية شعيب عليه السلام سميت بمدين بن إبراهيم ولم تكن في سلطان فرعون، وبينما وبين مصر مسيرة ثمانية أيام.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : خرج ولم يكن له علم
٣٣٤
بالطريق إلا حسن الظن بربه ﴿ قَالَ عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَآءَ السَّبِيلِ ﴾ [القصص : ٢٢] أي وسطه ومعظم نهجه فجاءه ملك فانطلق به إلى مدين
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤