﴿ وَلَمَّا وَرَدَ ﴾ [القصص : ٢٣] وصل ﴿ مَآءَ مَدْيَنَ ﴾ [القصص : ٢٣] ماءهم الذي يسقون منه وكان بئراً ﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ ﴾ [القصص : ٢٣] على جانب البئر ﴿ أُمَّةٍ ﴾ جماعة كثيرة ﴿ مِّنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة : ٦٧] من أناس مختلفين ﴿ يَسْقُونَ ﴾ مواشيهم ﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ﴾ [القصص : ٢٣] في مكان أسفل من مكانهم ﴿ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ ﴾ [القصص : ٢٣] تطردان غنمهما عن الماء لأن على الماء من هو أقوى منهما فلا تتمكنان من السقي أو لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم، والذود الطرد والدفع ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ [القصص : ٢٣] ما شأنكما وحقيقته ما مخطوبكما أي ما مطلوبكما من الذياد فسمي المخطوب خطباً ﴿ قَالَتَا لا نَسْقِى ﴾ [القصص : ٢٣] غنمنا ﴿ حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ ﴾ [القصص : ٢٣] مواشيهم يصدر شامي ويزيد وأبو عمرو أي يرجع والرعاء جمع راعٍ كقائم وقيام ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ ﴾ [القصص : ٢٣] لا يمكنه سقي الأغنام ﴿ كَبِيرٌ ﴾ في حاله أو في السن لا يقدر على رعي الغنم، أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما.
﴿ فَسَقَى لَهُمَا ﴾ [القصص : ٢٤] فسقى غنمهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف.
روي أنه نحى القوم عن رأس البئر وسألهم دلواً فأعطوه دلوهم وقالوا : استق بها وكانت لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة.
وترك المفعول في يسقون و تذودان و لا نسقى و فسقى لأن الغرض هو الفعل لا المعفول، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلاً، وكذا في لا نسقى و فسقى فالمقصود هو السقي لا المسقى.
ووجه مطابقة جوابها سؤاله أنه سألهما عن سبب الذود فقالتا : السبب في ذلك أنا امرأتان مستورتان ضعيفتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحي من الاختلاط بهم فلا بدلنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا.
وإنما رضي شعيب عليه السلام لابنتيه بسقي الماشية لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور والدين لا
٣٣٥
يأباه، وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصاً إذا كانت الحالة حالة ضرورة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٥
﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ [القصص : ٢٤] أي ظل سمرة، وفيه دليل جواز الاستراحة في الدنيا بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة ولما طال البلاء عليه أنس بالشكوى إذ لا نقص في الشكوى إلى المولى ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ ﴾ [القصص : ٢٤] لأي شيء ﴿ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ ﴾ [القصص : ٢٤] قليل أو كثير غثٍ أو سمين ﴿ فَقِيرٌ ﴾ محتاج، وعدي فقير باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب.
قيل : كان لم يذق طعاماً سبعة أيام وقد لصق بظهره بطنه.
ويحتمل أن يريد أني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلي من خير الدارين وهو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة، قال ذلك رضاً بالبدل السني وفرحاً به وشكراً له.
وقال ابن عطاء : نظر من العبودية إلى الربوبية وتكلم بلسان الافتقار لما ورد على سره من الأنوار
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٥
﴿ لَنَآ ﴾ على استحياء في موضع الحال أي مستحية، وهذا دليل كمال إيمانها وشرف عنصرها لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها أم لا، فأتته مستحية قد استترت بكم درعها، و " ما " في ما سقيت مصدرية أي جزاء سقيك.
روي أنهما ما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفّل قال لهما : ما أعجلكما؟ قالتا : وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا.
فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي فتبعها موسى عليه السلام فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ﴿ فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ﴾ [القصص : ٢٥] أي قصته وأحواله مع فرعون، والقصص مصدر كالعلل سمي به المقصوص ﴿ قَالَ ﴾ له ﴿ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ ﴾ [القصص : ٢٥] إذ لا سلطان لفرعون بأرضنا، وفيه دليل جواز العمل بخبر الواحد ولو عبداً أو أنثى والمشي مع الأجنبية مع ذلك الاحتياط والتورع.
وأما أخذ الأجر على البر والمعروف
٣٣٦


الصفحة التالية
Icon