فقيل : إنه لا بأس به عند الحاجة كما كان لموسى عليه السلام، على أنه روي أنها لما قالت ليجزيك كره ذلك وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها لأن للقاصد حرمة.
ولما وضع شعيب الطعام بين يديه امتنع فقال شعيب : ألست جائعاً؟ قال : بلى ولكن أخاف أن يكون عوضاً مما سقيت لهما وإنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا ولا نأخذ على المعروف ثمناً.
فقال شعيب عليه السلام : هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فأكل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٦
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَـا أَبَتِ اسْتَـاْجِرْهُ ﴾ [القصص : ٢٦] اتخذه أجيراً لرعي الغنم.
روي أن كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء، وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهي التي تزوجها ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَـاْجَرْتَ الْقَوِىُّ الامِينُ ﴾ [القصص : ٢٦] فقال : وما علمك بقوته وأمانته؟ فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه.
وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أن أمانته وقوته أمران متحققان.
وقولها إن خير من استأجرت القوى الأمين كلام جامع لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك، وقيل : القوي في دينه الأمين في جوارحه.
وقد استغنت بهذا لكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أفرس الناس ثلاث : بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله ﴿ عَسَى أَن يَنفَعَنَآ ﴾ [يوسف : ٢١].
وأبو بكر في عمر.
﴿ قَالَ إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ﴾ [القصص : ٢٧] أزوجك ﴿ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَـاتَيْنِ ﴾ [القصص : ٢٧] قوله هاتين يدل على أنه كان له غيرها وهذه مواعدة منه ولم يكن ذلك عقد نكاح إذ لو كان عقداً لقال قد أنكحتك ﴿ عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ﴾ [القصص : ٢٧] تكون أجيراً لي من أجرته إذا كنت له أجيراً ﴿ ثَمَـانِىَ حِجَجٍ ﴾ [القصص : ٢٧] ظرف والحجة السنة وجمعها حجج والتزوج على رعي الغنم جائز بالإجماع لأنه من باب القيام بأمر الزوجية فلا مناقضة بخلاف التزوج على الخدمة ﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا ﴾ [القصص : ٢٧] أي عمل عشر حجج ﴿ فَمِنْ عِندِكَ ﴾ [القصص : ٢٧] فذلك تفضل منك ليس بواجبة عليك، أو فإتمامه من عندك ولا أحتمه عليك ولكنك إن فعلته فهو منك تفضل وتبرع ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾ [القصص : ٢٧] بإلزام أتم الأجلين، وحقيقة قولهم : شققت
٣٣٧
عليه وشق عليه الأمر أن الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين تقول تارة أطيقه وطوراً لا أطيقه ﴿ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [القصص : ٢٧] في حسن المعاملة والوفاء بالعهد، ويجوز أن يراد الصلاح على العموم ويدخل تحته حسن المعاملة.
والمراد باشتراطه مشيئة الله فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته لأنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ذلك
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٧
﴿ قَالَ ﴾ موسى ﴿ ذَالِكَ ﴾ مبتدأ وهو إشارة إلى ما عاهده عليه شعيب والخبر ﴿ بَيْنِى وَبَيْنَكَ ﴾ [القصص : ٢٨] يعني ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم بيننا جميعاً لا يخرج كلانا عنه، لا أنا فيما شرطت علي ولا أنت فيما شرطت على نفسك.
ثم قال ﴿ أَيَّمَا الاجَلَيْنِ قَضَيْتُ ﴾ [القصص : ٢٨] أي أي أجل قضيت من الأجلين يعني العشرة أو الثمانية.
و أي نصب بـ قضيت و " ما " زائدة ومؤكدة لإبهام أي وهي شرطية وجوابها ﴿ فَلا عُدْوَانَ عَلَىَّ ﴾ [القصص : ٢٨] أي لا يعتدى علي في طلب الزيادة عليه، قال المبرد : قد علم أنه لا عدوان عليه في أيهما ولكن جمعهما ليجعل الأقل كالأتم في الوفاء، وكما أن طلب الزيادة على الأتم عدوان فكذا طلب الزيادة على الأقل ﴿ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [القصص : ٢٨] هو من وكل إليه الأمر، وعدي بـ " على " لأنه استعمل في موضع الشاهد والرقيب.