﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ﴾ [القصص : ٤٦] موسى أن خذ الكتاب بقوة ﴿ وَلَـاكِنَّ ﴾ أعلمناك وأرسلناك ﴿ رَحْمَةً ﴾ للرحمة ﴿ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أَتَـاـاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [القصص : ٤٦] في زمان الفترة بينك وبين عيسى وهو خمسمائة وخمسون سنة ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة : ٢٢١] ﴿ وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُ ﴾ [آل عمران : ١١٠-٤٧] عقوبة ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الروم : ٣٦] من الكفر والظلم.
ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي نسبت الأعمال إلى الأيدي وإن كانت من أعمال القلوب تغليباً للأكثر على الأقل عند العذاب ﴿ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ ءَايَـاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص : ٤٧] " لولا " الأولى امتناعية وجوابها محذوف، والثانية تحضيضية، والفاء الأولى للعطف والثانية جواب " لولا " لكونها في حكم الأمر إذ الأمر باعث على الفعل والباعث والمحضض من وادٍ واحد، والفاء تدخل في جواب الأمر والمعنى : ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي هلا أرسلت إلينا رسولاً محتجين علينا بذلك لما أرسلنا إليهم يعني أن إرسال الرسول إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها كقوله :﴿ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء : ١٦٥].
فإن قلت : كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول " لولا " الامتناعية عليها دونه؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سبباً للإرسال ولكن العقوبة لما كانت سبباً للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال فأدخلت عليها " لولا " وجيء بالقول
٣٤٥
معطوفاً عليها بالفاء المعطية معنى السببية، ويؤول معناه إلى قولك : ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٥
﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا ﴾ [يونس : ٧٦] أي القرآن أو الرسول المصدق بالكتاب المعجز ﴿ قَالُوا ﴾ أي كفار مكة ﴿ لَوْلا أُوتِىَ ﴾ [القصص : ٤٨] هلا أعطي ﴿ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ مُوسَى ﴾ [القصص : ٤٨] من الكتاب المنزل جملة واحدة ﴿ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا ﴾ يعني أبناء جنسهم ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم عنادهم وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام ﴿ بِمَآ أُوتِىَ مُوسَى مِن قَبْلُ ﴾ [القصص : ٤٨] من قبل القرآن ﴿ قَالُوا ﴾ في موسى وهارون ﴿ وَإِن تَظَـاهَرَا ﴾ (ساحران تظاهرا) تعاونا ﴿ سِحْرَانِ ﴾ كوفي أي ذوا سحر أو جعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما ﴿ وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ ﴾ [القصص : ٤٨] بكل واحد منهما ﴿ كَـافِرُونَ ﴾ وقيل : إن أهل مكة كما كفروا بمحمد عليه السلام وبالقرآن فقد كفروا بموسى والتوراة وقالوا في موسى ومحمد.
ساحران تظاهرا، أو في التوراة والقرآن سحران تظاهرا، وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد فأخبروهم أنه في كتابهم فرجع الرهط إلى قريش فأخبروهم بقول اليهود فقالوا عند ذلك : ساحران تظاهرا.
﴿ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَـابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَآ ﴾ [القصص : ٤٩] مما أنزل على موسى ومما أنزل على ﴿ أَتَّبِعْهُ ﴾ جواب فأتوا ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] في أنهما سحران ﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ [القصص : ٥٠] فإن لم يستجيبوا دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى فاعلم أنهم قد ألزموا ولم تبق لهم حجة إلا اتباع الهوى ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاـاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾ [القصص : ٥٠] أي لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه وبغير هدى حال أي مخذولاً يخلى بينه وبين هواه ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [المائدة : ٥١]
٣٤٦
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٦


الصفحة التالية
Icon