ولقد وصّلنا لهم القول لعلّهم يتذكّرون } التوصيل وتكريره يعني أن القرآن أتاهم متتابعاً متواصلاً وعداً ووعيداً وقصصاً وعبراً ومواعظ ليتذكروا فيفلحوا ﴿ الَّذِينَ ءَاتَيْنَـاهُمُ الْكِتَـابَ مِن قَبْلِهِ ﴾ [القصص : ٥٢] من قبل القرآن وخبر الذين ﴿ هُم بِهِ ﴾ [النحل : ١٠٠] بالقرآن ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ نزلت في مؤمني أهل الكتاب ﴿ وَإِذَا يُتْلَى ﴾ [القصص : ٥٣] القرآن ﴿ عَلَيْهِمْ قَالُوا ءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ ﴾ [القصص : ٥٣] من قبل نزول القرآن ﴿ مُسْلِمِينَ ﴾ كائنين على دين الإسلام، مؤمنين بمحمد عليه السلام، وقوله إنه تعليل للإيمان به لأن كونه حقاً من الله حقيق بأن يؤمن به، وقوله إنا بيان لقوله آمنا لأنه يحتمل أن يكون إيماناً قريب العهد وبعيده فأخبروا بأن إيمانهم به متقادم ﴿ أؤلئك يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ [القصص : ٥٤] بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن، أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله، أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب ﴿ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ يدفعون بالطاعة المعصية أو بالحلم الأذى ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [البقرة : ٣] يزكون ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ ﴾ [القصص : ٥٥] الباطل أو الشتم من المشركين ﴿ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا ﴾ [القصص : ٥٥] للاغين ﴿ لَنَآ أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [القصص : ٥٥] أمان منا لكم بأن نقابل لغوكم بمثله ﴿ لا نَبْتَغِى الْجَـاهِلِينَ ﴾ [القصص : ٥٥] لا نريد مخالطتهم وصحبتهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٧
﴿ إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [القصص : ٥٦] لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم ﴿ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ [البقرة : ٢٧٢] يخلق فعل الاهتداء فيمن يشاء ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام : ١١٧] بمن يختار الهداية ويقبلها ويتعظ بالدلائل والآيات.
قال الزجاج : أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وذلك أنه قال عند موته : يا معشر بني هاشم صدقوا محمداً تفلحوا.
فقال عليه السلام : يا عم تأمرهم
٣٤٧
بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك.
قال : فما تريد ابن أخي؟ قال : أريد منك أن تقول لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله، قال : يا ابن أخي أنا قد علمت أنك صادق ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت.
وإن كانت الصيغة عامة، والآية حجة على المعتزلة لأنهم يقولون الهدى هو البيان وقد هدى الناس أجمع ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم فدل أن وراء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء وإعطاء التوفيق والقدرة
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٧
﴿ مَنْ ﴾ قالت قريش : نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك أن يتخطفونا من أرضنا، فألقمهم الله الحجر بأنه مكن لهم في الحرم الذي أمنه بحرمة البيت وأمن قطانه بحرمته، والثمرات تجبى إليه من كل أوب وهم كفرة، فأنّى يستقيم أن يعرضهم للتخطف ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام؟ وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة وإلى الحرم مجاز ﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ﴾ [القصص : ٥٧] وبالتاء : مدني ويعقوب وسهل أي يجلب ويجمع ﴿ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [القصص : ٥٧] معنى الكلية الكثرة كقوله ﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [النمل : ٢٣] ﴿ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا ﴾ [القصص : ٥٧] هو مصدر لأن معنى يجبي إليه يرزق أو مفعول له أو حال من الثمرات إن كان بمعنى مرزوق لتخصصها بالإضافة كما تنصب عن النكرة المتخصصة بالصفة ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٧] متعلق بـ من لدنا أي قليل منهم يقرون بأن ذلك رزق من عند الله وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك، ولو علموا أنه من عند الله لعلموا أن الخوف والأمن من عنده ولما خافوا التخطف إذا آمنوا.
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ [القصص : ٥٨] هذا تخويف لأهل مكة من
٣٤٨