﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ [فصلت : ٤٧] ينادي الله الكفار نداء توبيخ وهو عطف على ﴿ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [القيامة : ٦] أو منصوب بـ " ذكر " ﴿ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآءِىَ ﴾ [القصص : ٦٢] بناء على زعمهم ﴿ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام : ٢٢] ومفعولا تزعمون محذوفان تقديره : كنتم تزعمونهم شركائي، ويجوز حذف المفعولين في باب ظننت ولا يجوز الاقتصار على أحدهما ﴿ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ [القصص : ٦٣] أي الشياطين أو أئمة الكفر.
ومعنى حق عليهم القول وجب عليه مقتضاه وثبت وهو قوله :﴿ لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [هود : ١١٩] ﴿ رَبَّنَا هؤلاء ﴾ [الأعراف : ٣٨] مبتدأ ﴿ الَّذِينَ أَغْوَيْنَآ ﴾ [القصص : ٦٣] أي دعوناهم إلى الشرك وسولنا لهم الغي صفة والراجع إلى الموصول محذوف والخبر ﴿ أَغْوَيْنَـاهُمْ ﴾ والكاف في ﴿ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ [القصص : ٦٣] صفة مصدر محذوف تقديره أغويناهم فغووا غياً مثل ما غوينا يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأن إغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلاً فلا فرق إذاً بين غينا وغيهم، وإن كان تسويلنا داعياً لهم إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وما بعث إليهم من الرسل وأنزل عليهم من الكتب وهو كقوله ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَـانُ لَمَّا قُضِىَ الامْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] إلى قوله ﴿ وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] ﴿ تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ ﴾ [القصص : ٦٣] منهم ومما اختاروه من الكفر ﴿ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ [القصص : ٦٣] بل يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم، وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى.
٣٥٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٠
﴿ وَقِيلَ ﴾ للمشركين ﴿ ادْعُوا شُرَكَآءَكُمْ ﴾ [الأعراف : ١٩٥] أي الأصنام لتخلصكم من العذاب ﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ﴾ [الكهف : ٥٢] فلم يجيبوهم ﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ [القصص : ٦٤] وجواب " لو " محذوف أي لما رأوا العذاب ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص : ٦٥] الذين أرسلوا إليكم.
حكى أولاً ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء ثم ما يقوله الشياطين أو أئمة الكفر عند توبيخهم، لأنهم إذا وبخوا بعبادة الآلهة اعتذروا بأن الشياطين هم الذين استغووهم، ثم ما يشبه الشماتة بهم لاستغاثتهم آلهتهم وعجزهم عن نصرتهم، ثم ما يبكون به من الاحتجاح عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل ﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الانابَآءُ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ [القصص : ٦٦] خفيت عليهم الحجج أو الأخبار.
وقيل : خفي عليهم الجواب فلم يدروا بماذا يجيبون إذ لم يكن عندهم جواب ﴿ فَهُمْ لا يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [القصص : ٦٦] لا يسأل بعضهم بعضاً عن العذر والحجة رجاء أن يكون عنده عذر وحجة لأنهم يتساوون في العجز عن الجواب ﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ ﴾ [القصص : ٦٧] من الشرك وءامن بربه وبما جاء من عنده ﴿ وَعَمِلَ صَـالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [القصص : ٦٧] أي فعسى أن يفلح عند الله.
و " عسى " من الكرام تحقيق، وفيه بشارة للمسلمين على الإسلام وترغيب للكافرين على الإيمان.
ونزل جواباً لقول الوليد بن المغيرة :﴿ لَوْلا نُزِّلَ هَـاذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف : ٣١].
يعني نفسه أو أبا مسعود.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥١
﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ﴾ وفيه دلالة خلق الأفعال، ويوقف على ﴿ يَشَآءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص : ٦٨] أي وربك يخلق ما يشاء وربك يختار ما يشاء ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص : ٦٨]
٣٥١