﴿ وَأَصْبَحَ ﴾ وصار ﴿ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ ﴾ [القصص : ٨٢] منزلته من الدنيا ﴿ بِالامْسِ ﴾ ظرف لـ تمنوا ولم يرد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت القريب استعارة ﴿ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ [القصص : ٨٢] و ي " منفصلة عن " كأن " عند البصريين.
قال سيبويه :" وي " كلمة تنبه على الخطأ وتندم يستعملها النادم بإظهار ندامته يعني أن القوم قد تنبهوا على خطئهم في تمنيهم، وقولهم يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون وتندموا ﴿ لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النساء : ٣٩-٩٠] بصرف ما كنا نتمناه بالأمس ﴿ لَخَسَفَ بِنَا ﴾ [القصص : ٨٢] لخسف وبفتحتين : حفص ويعقوب وسهل، وفيه ضمير الله تعالى ﴿ وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَـافِرُونَ ﴾ [القصص : ٨٢] أي تندموا ثم قالوا : كأنه لا يفلح الكافرون ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ ﴾ [القصص : ٨٣] تلك تعظيم لها وتفخيم لشأنها يعني تلك التي
٣٥٧
سمعت بذكرها وبلغك وصفها، وقوله ﴿ نَجْعَلُهَا ﴾ خبر تلك والدار نعتها ﴿ لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الارْضِ ﴾ [القصص : ٨٣] بغياً : ابن جبير، وظلماً : الضحاك أو كبراً ﴿ وَلا فَسَادًا ﴾ [القصص : ٨٣] عملاً بالمعاصي أو قتل النفس أو دعاء إلى عبادة غير الله.
ولم يعلق الموعد بترك العلو والفساد ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال ﴿ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [هود : ١١٣] فعلق الوعيد بالركون.
وعن علي رضي الله عنه : إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها.
وعن الفضيل : إنه قرأها ثم قال : ذهبت الأماني ههنا.
وعن عمر بن عبد العزيز : إنه كان يرددها حتى قبض.
وقال بعضهم : حقيقته التنفير عن متابعة فرعون وقارون متشبثاً بقوله ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِى الارْضِ ﴾ [القصص : ٤] ﴿ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الارْضِ ﴾ [القصص : ٧٧] ﴿ وَالْعَـاقِبَةُ ﴾ المحمودة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٧
﴿ مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ﴾ [النمل : ٨٩] مر في " النمل " ﴿ وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ﴾ [القصص : ٨٤] معناه فلا يجزون فوضع الذين عملوا السيئات موضع الضمير لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكرراً، فضل تهجين لحالهم وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين ﴿ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٤٧] إلا مثل ما كانوا يعملون ومن فضله العظيم أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة ﴿ إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ ﴾ [القصص : ٨٥] أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه ﴿ لَرَآدُّكَ ﴾ بعد الموت ﴿ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص : ٨٥] أيّ معاد وإلى معاد ليس لغيرك من البشر فلذا نكره، أو المراد به مكة.
والمراد رده إليها يوم الفتح لأنها كانت في ذلك اليوم معاداً له شأن ومرجعاً له اعتداد لغلبة رسول الله وقهره لأهلها ولظهور عن الإسلام وأهله وذلك الشرك وحزبه.
والسورة مكية ولكن هذه الآية نزلت بالجحفة لا بمكة ولا بالمدينة حين اشتاق إلى مولده ومولد ابائه.
ولما وعد رسوله الرد إلى معاده قال
٣٥٨
﴿ قُلْ ﴾ للمشركين ﴿ رَّبِّى أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهُدَى ﴾ [القصص : ٨٥] يعني نفسه وما له من الثواب في معاده ﴿ وَمَنْ هُوَ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ ﴾ [القصص : ٨٥] يعني المشركين وما يستحقونه من العذاب في معادهم من في محل نصب بفعل مضمر أي يعلم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٨


الصفحة التالية
Icon