﴿ وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَن يُلْقَى ﴾ [القصص : ٨٦] يوحي ﴿ إِلَيْكَ الْكِتَـابُ ﴾ [القصص : ٨٦] القرآن ﴿ إِلا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ [الإسراء : ٨٧] هو محمول على المعنى أي وما ألقي إليك الكتاب إلا رحمة من ربك، أو " إلا " بمعنى " لكن " للاستدراك أي ولكن لرحمة من ربك ألقي إليك الكتاب ﴿ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَـافِرِينَ ﴾ [القصص : ٨٦] معيناً لهم على دينهم ﴿ وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ ﴾ [القصص : ٨٧] هو على الجمع أي ألا يمنعنك هؤلاء عن العمل بآيات الله أي القرآن ﴿ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ﴾ [القصص : ٨٧] الآيات أي بعد وقت إنزاله وإذ يضاف إليه أسماء الزمان كقولك " حينئذ " و " يومئذ " ﴿ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ﴾ [الحج : ٦٧] إلى توحيده وعبادته ﴿ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّـالِمِينَ ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلّم والمراد أهل دينه، ولأن العصمة لا تمنع النهي، والوقف على آخر لازم لأنه لو وصل لصار ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] صفة لـ الهاً آخر وفيه من الفساد ما فيه ﴿ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ﴾ [القصص : ٨٨] أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات.
وقال مجاهد : يعني علم العلماء إذا أريد به وجه الله ﴿ لَهُ الْحُكْمُ ﴾ [القصص : ٨٨] القضاء في خلقه ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة : ٢٤٥] ترجعون بفتح التاء وكسر الجيم : يعقوب.
٣٥٩
سورة العنكبوت
مكية وهي تسع وستون آية
﴿ الاـم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴾ [البقرة : ١، ٢] الحسبان قوة أحد النقيضين على الآخر كالظن بخلاف الشك فهو الوقوف بينهما، والعلم فهو القطع على أحدهما، ولا يصح تعليقهما بمعاني المفردات ولكن بمضامين الجمل.
فلو قلت " حسبت زيداً وظننت الفرس " لم يكن شيئاً حتى تقول " حسبت زيداً عالماً وظننت الفرس جواداً " لأن قولك " زيد عالم والفرس جواد " كلام دال على مضمون، فإذا أردت الإخبار عن ذلك المضمون ثابتاً عندك على وجه الظن لا اليقين أدخلت على شطري الجملة فعل الحسبان حتى يتم لك غرضك والكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان هنا أن يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يفتنون وذلك أن تقديره : أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا؟ فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم آمنا هو الخبر، وأما غير مفتونين فتتمة الترك لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير كقول عنترة.
فتركته جزر السباع ينشنه
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول " تركهم غير مفتونين " لقولهم " امناً " على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام وهو استفهام توبيخ.
والفتنة الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان ومجاهدة الأعداء وسائر الطاعات الشاقة وهجر الشهوات وبالفقر والقحط وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ومصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم.
وروي أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد جزعوا من أذى المشركين، أو في عمار بن يا سر وكان يعذب في الله.
٣٦٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٠