﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا ﴾ [العنكبوت : ٣] اختبرنا وهو موصول بـ أحسب أو بـ لا يفتنون ﴿ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [فاطر : ٢٥] بأنواع الفتن فمنهم من يوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ومنهم من يمشط بأمشاط الحديد ما يصرفه ذلك عن دينه ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ ﴾ [العنكبوت : ٣] بالامتحان ﴿ الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾ [البقرة : ١٧٧] في الإيمان ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَـاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت : ٣] فيه.
ومعنى علمه تعالى وهو عالم بذلك فيما لم يزل أن يعلمه موجوداً عند وجوده كما علمه قبل وجوده أنه يوجد، والمعنى وليتميزن الصادق منهم من الكاذب.
قال ابن عطاء : يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء، فمن شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين، ومن بطر في أيام الرخاء وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [العنكبوت : ٤] أي الشرك والمعاصي ﴿ أَن يَسْبِقُونَا ﴾ [العنكبوت : ٤] أي يفوتونا يعني أن الجزاء يلحقهم لا محالة، واشتماله صلة " أن " على مسند ومسند إليه سد مسد مفعولين كقوله ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ﴾ [البقرة : ٢١٤] ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر و " أم " منقطعة، ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأول لأن ذلك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه.
وقالوا : الأول في المؤمنين وهذا في الكافرين ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الأنعام : ١٣٦] " ما " في موضع رفع على معنى ساء الحكم حكمهم، أو نصب على معنى ساء حكماً يحكمون، والمخصوص بالذم محذوف أي بئس حكماً يحكمونه حكمهم ﴿ مَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَّهِ ﴾ أي يأمل ثوابه أو يخاف حسابه فالرجاء يحتملها ﴿ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت : ٥] المضروب للثواب والعقاب ﴿ لاتٍ ﴾ لا محالة فليبادر العمل
٣٦١
الصالح الذي يصدق رجاءه ويحقق أمله ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ [الشورى : ١١] لما يقوله عباده ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بما يفعلونه فلا يفوته شيء ما.
وقال الزجاج : و " من " للشرط ويرتفع بالابتداء وجواب الشرط فإن أجل الله لات كقولك " إن كان زيد في الدار فقد صدق الوعد "
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦١
﴿ وَمَن جَـاهَدَ ﴾ [العنكبوت : ٦] نفسه بالصبر على طاعة الله أو الشيطان بدفع وساوسه أو الكفار ﴿ فَإِنَّمَا يُجَـاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾ [العنكبوت : ٦] لأن منفعة ذلك ترجع إليها ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ الْعَـالَمِينَ ﴾ [العنكبوت : ٦] وعن طاعتهم ومجاهدتهم، وإنما أمر ونهى رحمة لعباده ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـاَاتِهِمْ ﴾ [العنكبوت : ٧] أي الشرك والمعاصي بالإيمان والتوبة ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [العنكبوت : ٧] أي أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام.
﴿ وَوَصَّيْنَا الانسَـانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ [العنكبوت : ٨] وصى حكمه حكم أمر في معناه وتصرفه.
يقال : وصيت زيداً بأن يفعل خيراً كما تقول : أمرته بأن يفعل.
ومنه قوله ﴿ وَوَصَّى بِهَآ إِبْرَاهِ مُ بَنِيهِ ﴾ [البقرة : ١٣٢] أي وصاهم بكلمة التوحيد وأمرهم بها، وقولك : وصيت زيداً بعمرو معناه وصيتة بتعهد عمرو ومراعاته ونحو ذلك.
وكذلك معنى قوله ووصينا الإنسان بوالديه حسناً ووصيناه بإيتاء والديه حسناً أو بإيلاء والديه حسناً أي فعلاً ذا حسن، أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه كقوله ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة : ٨٣] ويجوز أن يجعل حسناً من باب قولك " زيداً " بإضمار " اضرب " إذا رأيته متهيئاً للضرب فتنصبه بإضمار أولهما، أو افعل بهما لأن التوصية بهما دالة عليه وما بعده مطابق له كأنه قال : قلنا أولهما معروفاً ولا تطعهما في الشرك إذا حملاك عليه، وعلى هذا التفسير إن وقف على بوالديه وابتدىء حسناً حسن الوقف، وعلى التفسير الأول لا بد من إضمار القول معناه وقلنا ﴿ وَإِن جَـاهَدَاكَ ﴾ [لقمان : ١٥] أيها الإنسان ﴿ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [العنكبوت : ٨] أي لا علم لك بإلهيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال : لتشرك
٣٦٢


الصفحة التالية
Icon