﴿ وَلا تُجَـادِلُوا أَهْلَ الْكِتَـابِ إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت : ٤٦] بالخصلة التي هي أحسن للثواب وهي مقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم كما قال :﴿ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [المؤمنون : ٩٦] ﴿ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة : ١٥٠] فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة.
وقيل : إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أو إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة، أو معناه ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فمجادلتهم بالسيف.
والآية تدل على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين، وعلى جواز تعلم علم الكلام الذي به تتحقق المجادلة، وقوله ﴿ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـاهُنَا وَإِلَـاهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت : ٤٦] من جنس المجادلة بالأحسن.
٣٧٥
وقال عليه السلام " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان باطلاً لم تصدقوهم وإن كان حقاً لم تكذبوهم "
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
﴿ وَكَذَالِكَ ﴾ ومثل ذلك الإنزال ﴿ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَـابَ ﴾ [الزمر : ٢] أي أنزلناه مصدقاً لسائر الكتب السماوية، أو كما أنزلنا الكتب إلى من قبلك أنزلنا إليك الكتاب ﴿ فَالَّذِينَ ءَاتَيْنَـاهُمُ الْكِتَـابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [العنكبوت : ٤٧] هم عبد الله بن سلام ومن معه ﴿ وَمِنْ هؤلاء ﴾ [العنكبوت : ٤٧] أي من أهل مكة ﴿ مَن يُؤْمِنُ ﴾ [النمل : ٨١] أو أراد بالذين أوتوا الكتاب الذين تقدموا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أهل الكتاب ومن هؤلاء الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِـاَايَـاتِنَآ ﴾ [العنكبوت : ٤٩] مع ظهورها وزوال الشبهة عنها ﴿ إِلا الْكَـافِرُونَ ﴾ [العنكبوت : ٤٧] إلا المتوغلون في الكفر المصممون عليه ككعب بن الأشرف وأضرابه ﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ ﴾ من قبل القرآن ﴿ مِن كِتَـابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾ [العنكبوت : ٤٨] خص اليمين لأن الكتابة غالباً تكون باليمين أي ما كنت قرأت كتاباً من الكتب ولا كنت كاتباً ﴿ إِذًا ﴾ أي لو كان شيء من ذلك أي من التلاوة ومن الخط ﴿ ارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [العنكبوت : ٤٨] من أهل الكتاب وقالوا : الذي نجد نعته في كتبنا أمي لا يكتب ولا يقرأ وليس به، أو لارتاب مشركو مكة وقالوا : لعله تعلمه أو كتبه بيده.
وسماهم مبطلين لإنكارهم نبوته.
وعن مجاهد والشعبي : ما مات النبي صلى الله عليه وسلّم حتى كتب وقرأ ﴿ بَلْ هُوَ ﴾ [العنكبوت : ٤٩] أي القرآن ﴿ بَيِّنَـاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا ﴾ [العنكبوت : ٤٩] أي في صدور العلماء به وحفاظه وهما من خصائص القرآن كون آياته بينات الإعجاز وكونه محفوظاً في الصدور بخلاف سائر الكتب فإنها لم تكن معجزات ولا كانت تقرأ إلا
٣٧٦
من المصاحف ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِـاَايَـاتِنَآ ﴾ [العنكبوت : ٤٩] الواضحة ﴿ إِلا الظَّـالِمُونَ ﴾ [العنكبوت : ٤٩] أي المتوغلون في الظلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦