أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة " ﴿ فَإِيَّـاىَ فَاعْبُدُونِ ﴾ [العنكبوت : ٥٦] وبالياء : يعقوب.
وتقديره فإياي اعبدوا فاعبدوني.
وجيء بالفاء في فاعبدون لأنه جواب شرط محذوف لأن المعنى إن أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها في غيرها، ثم حذف الشرط وعوض عن حذفه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص، ثم شجع المهاجر بقوله
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٨
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآ ـاِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [العنكبوت : ٥٧] أي واجدة مرارته وكربه كما يجد، الذائق طعم المذوق لأنها إذا تيقنت بالموت سهل عليها مفارق وطنها ﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت : ٥٧] بعد الموت للثواب والعقاب يرجعون يحيى ترجعون يعقوب.
﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًَا ﴾ [العنكبوت : ٥٨] لننزلنهم من الجنة علالي.
لنثوينهم كوفي غير عاصم من الثواء وهو النزول للإقامة، وثوى غير متعد فإذا تعدى بزيادة الهمزة لم يجاوز مفعولاً واحداً.
والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف، أما إجراؤه مجرى لننزلنهم أو لنؤينهم، أو حذف الجار وإيصال الفعل، أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَـامِلِينَ ﴾ [العنكبوت : ٥٨] ويوقف على العاملين على أن ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ [النحل : ٩٦] خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين صبروا على مفارقة الأوطان وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب وعلى الطاعات وعن المعاصي، والوصل أجود ليكون ﴿ الَّذِينَ ﴾ نعتا لـ العاملين ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الانفال : ٢] ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أسلم من مكة بالهجرة خافوا الفقر والضيعة فنزلت ﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ ﴾ [العنكبوت : ٦٠] أي وكم من دابة وكائن بالمد والهمز : مكي والدابة كل نفس دبت على وجه الأرض عقلت أم لم تعقل ﴿ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ﴾ [العنكبوت : ٦٠] لا تطيق أن
٣٧٩
تحمله لضعفها عن حمله ﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ [العنكبوت : ٦٠] أي لا يرزق تلك الدّواب الضعاف إلا الله، ولا يرزقكم أيضاً أيها الأقوياء إلا هو، وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها لأنه لو لم يقدركم ولم يقدر لكم أسباب الكسب لكنتم أعجز من الدواب التي لا تحمل.
وعن الحسن : لا تحمل رزقها لا تدخره إنما تصبح فيرزقها الله.
وقيل : لا يدخر شيء من الحيوان قوتاً إلا ابن آدم والفأرة والنملة ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ [الشورى : ١١] لقولكم نخشى الفقر والعيلة ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بما في ضمائركم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٩
﴿ وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ [العنكبوت : ٦١] أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من خلق السماوات والأرض على كبرهما وسعتهما، ومن الذي سخر الشمس والقمر ﴿ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [العنكبوت : ٦١] فكيف يصرفون عن توحيد الله مع إقرارهم بهذا كله.
﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُا ﴾ [العنكبوت : ٦٢] أي لمن يشاء فوضع الضمير موضع من يشاء لأن من يشاء مبهم غير معين فكان الضمير مبهماً مثله.
قدر الرزق وقتره بمعنى إذا ضيقه ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٣١] يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم.
في الحديث " إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك " ﴿ وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الارْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [العنكبوت : ٦٣] أي هم مقرون بذلك ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [العنكبوت : ٦٣] على إنزاله الماء لإحياء الأرض أو على أنه ممن أقر بنحو ما أقروا به ثم نفعه ذلك في توحيد الله ونفى الشركاء عنه ولم يكن إقراراً عاطلاً كإقرار المشركين ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت : ٦٣] لا يتدبرون بما
٣٨٠
فيهم من العقول فيما نريهم من الآيات ونقيم عليهم من الدلالات، أو لا يعقلون ما تريد بقولك الحمد لله