﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ [الروم : ٢١] أي حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال، أو من شكل أنفسكم وجنسها لا من جنس آخر وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الإلف والسكون وما بين الجنسين المختلفين من التنافر.
يقال : سكن إليه إذا مال إليه ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم : ٢١] أي جعل بينكم التواد والتراحم بسبب الزواج.
وعن الحسن : المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد.
وقيل : المودة للشابة والرحمة للعجوز.
وقيل : المودة والرحمة من الله والفرك من الشيطان أي بغض المرأة زوجها وبغض الزوج المرأة ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد : ٣] فيعلمون أن قوام الدنيا بوجود التناسل ﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَاخْتِلَـافُ أَلْسِنَتِكُمْ ﴾ [الروم : ٢٢] أي اللغات أو أجناس النطق وأشكاله ﴿ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾ كالسواد والبياض وغيرهما، ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو تشاكلت واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح، وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله متفاوتون.
﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّلْعَـالِمِينَ ﴾ [الروم : ٢٢] للعالمين جمع " عالم "، وبكسر اللام : حفص عالم ويشهد للكسر قوله تعالى ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلا الْعَـالِمُونَ ﴾ [العنكبوت : ٤٣] ﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ [الروم : ٢٣] هذا من باب اللف، وترتيبه ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين القرينين الأولين بالقرينين الآخرين، أو المراد منامكم في الزمانين وابتغاؤكم فيهما،
٣٩٠
والجمهور على الأول لتكرره في القرآن وأسد المعاني ما دل عليه القرآن ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [يونس : ٦٧] أي يسمعون سماع تدبر باذان واعية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٠
﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ ﴾ [الروم : ٢٤] في يريكم وجهان : إضمار أن كما في حرف ابن مسعود رضي الله عنه وإنزال الفعل منزلة المصدر وبهما فسر المثل " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " أي أن تسمع أو سماعك ﴿ خَوْفًا ﴾ من الصاعقة أو من الإخلاف ﴿ وَطَمَعًا ﴾ في الغيث أو خوفاً للمسافر وطمعاً للحاضر، وهما منصوبان على المفعول له على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي إرادة خوف وإرادة طمع، أو على الحال أي خائفين وطامعين ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [الروم : ٢٤] وبالتخفيف : مكي وبصري ماءً مطراً ﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَيُحْىِ ﴾ [الروم : ٢٤] يتفكرون بعقولهم ﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ أَن تَقُومَ ﴾ [الروم : ٢٥] تثبت بلا عمد ﴿ السَّمَآءُ وَالارْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الروم : ٢٥] أي بإقامته وتدبيره وحكمته ﴿ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ ﴾ [الروم : ٢٥] للبعث ﴿ دَعْوَةً مِّنَ الارْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [الروم : ٢٥] من قبوركم هذا كقوله يريكم في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى كأنه قال : ومن آياته قيام السماوات والأرض واستمساكها بغير عمد، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة يا أهل القبور أخرجوا، والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف.
وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض بـ " ثم " بياناً لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله وهو أن يقول : يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ [الزمر : ٦٨] و " إذا " الأولى للشرط والثانية للمفاجأة وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط ومن الأرض متعلق بالفعل لا بالمصدر.
وقولك " دعوته من مكان كذا " يجوز أن يكون مكانك ويجوز أن يكون مكان صاحبك
٣٩١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩١
﴿ وَلَهُ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ كُلٌّ لَّهُ قَـانِتُونَ ﴾ [الروم : ٢٦] منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه أو مقرون بالعبودية.


الصفحة التالية
Icon