﴿ وَهُوَ الَّذِى يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ﴾ [الروم : ٢٧] أي ينشئهم ﴿ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ [العنكبوت : ١٩] للبعث ﴿ وَهُوَ ﴾ أي البعث ﴿ أَهْوَنُ ﴾ أيسر ﴿ عَلَيْهِ ﴾ عندكم لأن الإعادة عندكم أسهل من الإنشاء فلم أنكرتم الإعادة، وأخرت الصلة في قوله وهو أهون عليه وقدمت في قوله : و ﴿ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ ﴾ [مريم : ٩].
لقصد الاختصاص هناك، وأما هنا فلا معنى للاختصاص.
وقال أبو عبيدة والزجاج وغيرهما الأهون بمعنى الهين فيوصف به الله عز وجل وكان ذلك على الله يسيراً كما قالوا : الله أكبر أي كبير، والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هونت بالقياس إلى الإنشاء، أو هو أهون على الخلق من الإنشاء لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفاً ثم علقاً ثم مضغ إلى تكميل خلقهم ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الاعْلَى فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الروم : ٢٧] أي الوصف الأعلى الذي ليس لغيره وقد عرف به ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ويدل عليه قوله ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [إبراهيم : ٤] أي القاهر لكل مقدور ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المثل الأعلى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى : ١١].
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٢
وعن مجاهد : هو قول لا إله إلا الله.
ومعناه وله الوصف الأرفع الذي هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله ﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ [الروم : ٢٨] فهذا مثل ضربه الله عز وجل لمن جعل له
٣٩٢
شريكاً من خلقه.
و " من " للابتداء كأنه قال : أخذ مثلاً وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم ﴿ هَل لَّكُم ﴾ [الروم : ٢٨] معاشر الأحرار ﴿ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُم ﴾ [الروم : ٢٨] عبيدكم و " من " للتبعيض ﴿ مِّن شُرَكَآءَ ﴾ [الروم : ٢٨] " من " مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ومعناه : هل ترضون لأنفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد أن يشارككم بعضهم ﴿ فِى مَا رَزَقْنَـاكُمْ ﴾ [الروم : ٢٨] من الأموال وغيرها ﴿ فَأَنتُمْ ﴾ معاشر الأحرار والعبيد ﴿ فِيهِ ﴾ في ذلك الرزق ﴿ سَوَآءٌ ﴾ من غير تفصلة بين حر وعبد يحكم مماليككم في أموالكم كحكمكم ﴿ تَخَافُونَهُمْ ﴾ حال من ضمير الفاعل في سواء أي متساوون خائفاً بعضكم بعضاً مشاركته في المال، والمعنى : تخافون معاشرة السادة عبيدكم فيها فلا تمضون فيها حكماً دون إذنهم خوفاً من لائمة تلحقكم من جهتهم ﴿ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [الروم : ٢٨] يعني كما يخاف بعض الأحرار بعضاً فيما هو مشترك بينهم، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟ ﴿ كَذَالِكَ ﴾ موضع الكاف نصب أي مثل هذا التفصيل ﴿ نُفَصِّلُ الايَـاتِ ﴾ [يونس : ٢٤] نبينها لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها ﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة : ١٦٤] يتدبرون في ضرب الأمثال فلما لم ينزجروا أضرب عنهم فقال
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٢
﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [الروم : ٢٩] أنفسهم بما أشركوا كما قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان : ١٣].
﴿ أَهْوَآءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الروم : ٢٩] أي اتبعوا أهواءهم جاهلين ﴿ فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ﴾ [الروم : ٢٩] أي أضله الله تعالى ﴿ وَمَا لَهُم مِّن نَّـاصِرِينَ ﴾ [آل عمران : ٢٢] من العذاب.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ﴾ [الروم : ٣٠] فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت عنه يميناً ولا شمالاً، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه واهتمامه بأسبابه، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه ﴿ حَنِيفًا ﴾ حال عن
٣٩٣


الصفحة التالية
Icon