المأمور أو من الدين ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ ﴾ [الروم : ٣٠] أي الزموا فطرة الله والفطرة الخلقة، ألا ترى إلى قوله ﴿ لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم : ٣٠] فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوباً للعقل مساوقاً للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه ديناً آخر، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الجن والإنس ومنه قوله عليه السلام " كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري " وقوله عليه السلام " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه " (٢) وقال الزجاج : معناه أن الله تعالى فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث " إن الله عز وجل آخرج من صلب آدم كالذر وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم " فقال وإذ أخذ ربك إلى قوله ﴿ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف : ١٧٢] وكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله تعالى خالقها.
فمعنى فطرة الله دين الله ﴿ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم : ٣٠] أي خلق ﴿ لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم : ٣٠] أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير.
وقال الزجاج : معناه لا تبديل لدين الله ويدل عليه ما بعده وهو قوله ﴿ ذَالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [التوبة : ٣٦] أي المستقيم ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] حقيقة ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٣
﴿ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ [الروم : ٣٣] راجعين إليه وهو حال من الضمير في " الزموا "، وقوله واتقوه وأقيموا ولا تكونوا معطوف على هذا المضمر، أو من قوله فأقم وجهك لأن الأمر له عليه السلام أمر لأمته فكأنه قال : فأقيموا وجوهكم منيبين إليه، أو التقدير كونوا منبيين دليله قوله ولا تكونوا ﴿ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَواةَ ﴾ [الروم : ٣١] أي أدوها في أوقاتها ﴿ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الروم : ٣١] ممن يشرك به غيره في العبادة ﴿ مِنَ الَّذِينَ ﴾ [النساء : ٥١] بدل من المشركين بإعادة الجار ﴿ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾ [الروم : ٣٢] جعلوه أدياناً
٣٩٤
مختلفة لاختلاف أهوائهم فارقوا حمزة وعلي وهي قراءة علي رضي الله عنه أي تركوا دين الإسلام ﴿ وَكَانُوا شِيَعًا ﴾ [الروم : ٣٢] فرقاً كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها ﴿ كُلُّ حِزْب ﴾ [المؤمنون : ٥٣] منهم ﴿ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون : ٥٣] فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ ﴾ [الروم : ٣٣] شدة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك ﴿ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً ﴾ [الروم : ٣٣] أي خلاصاً من الشدة ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم : ٣٣] في العبادة ﴿ لِيَكْفُرُوا ﴾ هذه لام كي.
وقيل : لام الأمر للوعيد ﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَآ ﴾ [النحل : ٥٥] من النعم ﴿ فَتَمَتَّعُوا ﴾ بكفركم قليلاً أمر وعيد ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٢٣] وبال تمتعكم ﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـانًا ﴾ [الروم : ٣٥] حجة ﴿ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ ﴾ [الروم : ٣٥] وتكلمه مجاز كما تقول " كتابه ناطق بكذا " وهذا مما نطق به القرآن، ومعناه الشهادة كأنه قال : فهو يشهد بشركهم وبصحته ﴿ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم : ٣٥] " ما " مصدرية أي بكونهم بالله يشركون، أو موصولة ويرجع الضمير إليها أي فهو يتكلم بالأمر الذي بسببه يشركون، أو معنى الآية أم أنزلنا عليهم ذا سلطان أي ملكاً معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون ﴿ وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً ﴾ [الروم : ٣٦] أي نعمة من مطر أوسعة أوصحة ﴿ فَرِحُوا بِهَا ﴾ [الروم : ٣٦] بطروا بسببها ﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةُ ﴾ [الروم : ٣٦] أي بلاء من جدب أو ضيق أو مرض ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الروم : ٣٦] بسبب شؤم معاصيهم ﴿ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم : ٣٦] من الرحمة و إذا المفاجأة جواب الشرط نابت عن الفاء لتاخيهما في التعقيب.
٣٩٥