و " كان " تامة والباقون بالنصب والضمير للهنة من الإساءة والإحسان أي إن كانت مثلاً في الصغر كحبة خردل ﴿ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَـاوَاتِ أَوْ فِى الارْضِ ﴾ [لقمان : ١٦] أي فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة، أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي والأكثر على أنها التي عليها الأرض وهي السجين يكتب فيها أعمال الفجار وليست من الأرض ﴿ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ﴾ يوم القيامة فيحاسب بها عاملها ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ ﴾ [الحج : ٦٣] بتوصل علمه إلى كل خفي ﴿ خَبِيرٌ ﴾ عالم بكنهه أو لطيف باستخراجها خبير بمستقرها ﴿ يَـابُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَواةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ ﴾ [لقمان : ١٧] في ذات الله تعالى إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، أو على ما أصابك من المحن فإنها تورث المنح ﴿ إِنَّ ذَالِكَ ﴾ [الحج : ٧٠] الذي وصيتك به ﴿ مِنْ عَزْمِ الامُورِ ﴾ [آل عمران : ١٨٦] أي مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب وإلزام أي أمر به أمراً حتماً، وهو من تسمية المفعول بالمصدر وأصله من معزومات الأمور أي مقطوعاتها ومفروضاتها، وهذا دليل على أن هذه الطاعات كانت مأموراً بها في سائر الأمم.
﴿ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ [لقمان : ١٨] أي ولا تعرض عنهم تكبراً.
تصاعر أبو عمرو ونافع وحمزة وعلي، وهو بمعنى تصعّر، والصعر داء يصيب البعير يلوي منه عنقه والمعنى : أقبل على الناس بوجهك تواضعاً ولا تولهم شق وجهك وصفحته كما يفعله
٤٠٨
المتكبرون ﴿ وَلا تَمْشِ فِى الارْضِ مَرَحًا ﴾ [الإسراء : ٣٧] أي تمرح مرحاً، أو أوقع المصدر موقع الحال أي مرحاً، أو ولا تمش لأجل المرح والأشر ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ ﴾ [لقمان : ١٨] متكبر ﴿ فَخُورٌ ﴾ من يعدد مناقبة تطاولا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٨
﴿ وَاقْصِدْ ﴾ القصد التوسط بين العلو والتقصير ﴿ فِى مَشْيِكَ ﴾ [لقمان : ١٩] أي اعدل فيه حتى يكون مشياً بين مشيين لا تدب دبيب المتماوتين ولا تثب وثوب الشطار.
قال عليه السلام " سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " وأما قول عائشة في عمر رضي الله عنه : كان إذا مشى أسرع، فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت، وعن ابن مسعود رضي الله عنه : كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشياً بين ذلك.
وقيل : معناه وانظر موضع قدميك متواضعاً ﴿ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ﴾ [لقمان : ١٩] وانقص منه أي اخفض صوتك ﴿ إِنَّ أَنكَرَ الاصْوَاتِ ﴾ [لقمان : ١٩] أي أوحشها ﴿ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان : ١٩] لأن أوله زفير وآخره شهيق كصوت أهل النار.
وعن الثوري : صياح كل شيء تسبيح إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان ولذلك سماه الله منكراً.
وفي تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق تنبيه على أن أرفع الصوت في غاية الكراهة يؤيده ما روي أنه عليه السلام كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت ويكره أن يكون مجهور الصوت.
وإنما وحد صوت الحمير ولم يجمع لأنه لم يرد أن يذكر صوت كل واحد من احاد هذا الجنس حتى يجمع، بل المراد أن كل جنس من الحيوان له صوت، وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس فوجب توحيده.
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَـاوَاتِ ﴾ [لقمان : ٢٠] يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك ﴿ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ [الشورى : ٥٣] يعني البحار والأنهار والمعادن والدواب وغير
٤٠٩
ذلك ﴿ وَأَسْبَغَ ﴾ وأتم ﴿ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ [لقمان : ٢٠] مدني وأبو عمرو وسهل وحفص.
نعمة غيرهم والنعمة كل نفع قصد به الإحسان ﴿ ظَـاهِرَةً ﴾ بالمشاهدة ﴿ وَبَاطِنَةً ﴾ ما لا يعلم إلا بدليل ثم قيل : الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك.
ويروى في دعاء موسى عليه السلام : إلهي دلني على أخفى نعمتك على عبادك فقال : أخفى نعمتي عليهم النفس.
وقيل : تخفيف الشرائع وتضعيف الذرائع والخلق ونيل العطايا وصرف البلايا وقبول الخلق ورضا الرب.
وقال ابن عباس : الظاهرة ما سوّى من خلقك والباطنة ما ستر من عيوبك.
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَـادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَـابٍ مُّنِيرٍ ﴾ [الحج : ٨] نزلت في النضر بن الحرث وقد مر في " الحج "