السجدة : ٢] وإن جعلتها تعديداً للحروف ارتفع ﴿ تَنزِيلُ ﴾ بأنه خبر مبتدأ محذوف أو هو مبتدأ خبره ﴿ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [الأنعام : ١٢] أو يرتفع بالابتداء وخبره ﴿ مِن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الأعراف : ٦١] و ﴿ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [الأنعام : ١٢] اعتراض لا محل له، والضمير في ﴿ فِيهِ ﴾ راجع إلى مضمون الجملة كأنه قيل : لا ريب في ذلك أي في كونه منزلاً من رب العالمين لأنه معجز للبشر ومثله أبعد شيء من الريب.
ثم أضرب عن ذلك إلى قوله ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاـاهُ ﴾ [السجدة : ٣] أي اختلقه محمد لأن " أم " هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل والهمزة معناه بل أيقولون افتراه إنكاراً لقولهم وتعجيباً منهم لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه ﴿ بَلْ هُوَ الْحَقُّ ﴾ [السجدة : ٣] ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق ﴿ مِن رَّبِّكَ ﴾ [الأحزاب : ٢] ولم يفتره محمد صلى الله عليه وسلّم كما قالوا تعنتاً وجهلاً ﴿ لِتُنذِرَ قَوْمًا ﴾ [القصص : ٤٦] أي العرب ﴿ مَّآ أَتَـاـاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [القصص : ٤٦] " ما " للنفي والجملة ضفة لـ ﴿ قَوْمًا ﴾ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [الأنبياء : ٣١] على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما كان لعله يتذكر على الترجي من موسى وهارون.
٤١٦
﴿ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [السجدة : ٤] استولى عليه بإحداثه ﴿ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ ﴾ [السجدة : ٤] من دون الله ﴿ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ ﴾ [السجدة : ٤] أي إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم ولياً أي ناصراً ينصركم ولا شفيعاً يشفع لكم ﴿ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام : ٨٠] تتعظون بمواعظ الله ﴿ يُدَبِّرُ الامْرَ ﴾ [يونس : ٣١] أي أمر الدنيا ﴿ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الارْضِ ﴾ [السجدة : ٥] إلى أن تقوم الساعة ﴿ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ﴾ [السجدة : ٥] ذلك الأمر كله أي يصير إليه ليحكم فيه ﴿ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُا أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [السجدة : ٥] وهو يوم القيامة ﴿ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج : ٤٧] من أيام الدنيا ولا تمسّك للمشبهة بقوله ﴿ إِلَيْهِ ﴾ في إثبات الجهة لأن معناه إلى حيث يرضاه أو أمره كما لا تشبث لهم بقوله :﴿ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى ﴾ [الصافات : ٩٩] (الصافات : ٩٩).
﴿ إِنِّى مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّى ﴾ [العنكبوت : ٢٦] (العنكبوت : ٦٢).
﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ ﴾ [النساء : ١٠٠](النساء : ٠٠١).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٦
﴿ ذَالِكَ عَـالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ ﴾ [السجدة : ٦] أي الموصوف بما مر عالم ما غاب عن الخلق وما شاهدوه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الغالب أمره ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ البالغ لطفه وتيسيره.
وقيل : لا وقف عليه لأن ﴿ الَّذِى ﴾ صفته ﴿ أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ ﴾ [السجدة : ٧] أي حسنه لأن كل شيء مرتب على ما اقتضته الحكمة ﴿ خَلَقَهُ ﴾ كوفي ونافع وسهل على الوصف أي كل شيء خلقه فقد أحسن ﴿ خَلَقَهُ ﴾ غيرهم على البدل أي أحسن خلق كل شيء ﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الانسَـانِ ﴾ [السجدة : ٧] آدم ﴿ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ﴾ ذريته ﴿ مِن سُلَـالَةٍ ﴾ [المؤمنون : ١٢] من نطفة ﴿ مِّن مَّآءٍ ﴾ [الطارق : ٦] أي مني وهو بدل من ﴿ سُلَـالَةٍ ﴾ ﴿ مَّهِينٍ ﴾ ضعيف حقير
٤١٧
﴿ ثُمَّ سَوَّاـاهُ ﴾ [السجدة : ٩] قومه كقوله ﴿ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين : ٤] (التين : ٤) ﴿ وَنَفَخَ ﴾ أدخل ﴿ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ﴾ [السجدة : ٩] الإضافة للاختصاص كأنه قال : ونفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبعلمه ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالابْصَـارَ وَالافْـاِدَةَ ﴾ [النحل : ٧٨] لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا ﴿ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف : ١٠] أي تشكرون قليلاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٦