﴿ وَقَالُوا ﴾ القائل أبيّ بن خلف ولرضاهم بقوله أسند إليهم ﴿ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الارْضِ ﴾ أي صرنا تراباً وذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن، أو غبنا في الأرض بالدفن فيها.
وقرأ عليٌّ ﴿ ضَلَلْنَا ﴾ بكسر اللام يقال : ضل يضل وضل يضل.
وانتصب الظرف في ﴿ ضَلَلْنَا فِى ﴾ [السجدة : ١٠] بما يدل عليه ﴿ أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيد ﴾ وهو نبعث ﴿ بَلْ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ كَـافِرُونَ ﴾ [السجدة : ١٠] جاحدون.
لما ذكر كفرهم بالبعث أضرب عنه إلى ما هو أبلغ وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة لا بالبعث وحده ﴿ قُلْ يَتَوَفَّـاـاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة : ١١] أي يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم ثم ترجعون إلى ربكم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء وهذا معنى لقاء الله.
والتوفي استيفاء النفس وهي الروح أي يقبض أرواحكم أجمعين من قولك " توفيت حقي من فلان " إذا أخذته وافياً كاملاً من غير نقصان.
وعن مجاهد : حويت لملك الموت الأرض وجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء.
وقيل : ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه ثم يأمر أعوانه بقبضها والله تعالى هو الآمر لذلك كله وهو الخالق لأفعال المخلوقات.
وهذا وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله ﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ [الأنعام : ٦١] (الأنعام : ١٦) وقوله ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الانفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [الزمر : ٤٢] (الزمر : ٢٤).
٤١٨
﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ [الأنعام : ٩٣] الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أو لكل أحد و " لو " امتناعية والجواب محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً ﴿ إِذِ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [السجدة : ١٢] هم الذين قالوا ﴿ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الارْضِ ﴾ و " لو " و " إذ " للمضي وإنما جاز ذلك لأن المترقب من الله بمنزلة الموجود ولا يقدر لترى ما يتناوله كأنه قيل : ولو تكون منك الرؤية و " إذ " ظرف له ﴿ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ ﴾ من الذل والحياء والندم ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٦
فاطر : ٣٩] عند حساب ربهم ويوقف عليه لحق الحذف إذ التقدير وقولون ﴿ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا ﴾ [السجدة : ١٢] صدق وعدك وعيدك ﴿ وَسَمِعْنَا ﴾ منك تصديق رسلنا أو كنا عمياً وصماً فأبصرنا وسمعنا ﴿ فَارْجِعْنَا ﴾ إلى الدنيا ﴿ نَعْمَلْ صَـالِحًا ﴾ [السجدة : ١٢] أي الإيمان والطاعة ﴿ إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة : ١٢] بالبعث والحساب الآن ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا ﴾ [السجدة : ١٣] في الدنيا أي لو شئنا أعطينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم اختيار ذلك لاهتدوا لكن لم نعطهم ذلك اللطف لما علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره، وهو حجة على المعتزلة فإن عندهم شاء الله أن يعطي كل نفس ما به اهتدت وقد أعطاها لكنها لم تهتد، وهم أوّلوا الآية بمشيئة الجبر وهو تأويل فاسد لما عرف في تبصر الأدلة.
﴿ وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [السجدة : ١٣] ولكن وجب القول مني بما علمت أنه يكون منهم ما يستوجبون به جهنم وهو ما علم منهم أنهم يختارون الرد والتكذيب.
وفي تخصيص الإنس والجن إشارة إلى أنه عصم ملائكته عن عمل يستوجبون به جهنم.
﴿ فَذُوقُوا ﴾ العذاب ﴿ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ ﴾ [السجدة : ١٤] بما تركتم من عمل لقاء ﴿ يَوْمِكُمْ هَـاذَآ ﴾ [السجدة : ١٤] وهو الإيمان به ﴿ إِنَّا نَسِينَـاكُمْ ﴾ [السجدة : ١٤] تركناكم في العذاب كالمنسي ﴿ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ ﴾ أي العذاب الدائم الذي لا انقطاع له ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ١٠٥] من الكفر والمعاصي.
٤١٩


الصفحة التالية
Icon