﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـاَايَـاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا ﴾ [السجدة : ١٥] أي وعظوا بها ﴿ خَرُّوا سُجَّدًا ﴾ [مريم : ٥٨] سجدوا لله تواضعاً وخشوعاً وشكراً على ما رزقهم من الإسلام ﴿ وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [السجدة : ١٥] ونزهوا لله عما لا يليق به وأثنوا عليه حامدين له ﴿ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل : ٤٩] عن الإيمان والسجود له ﴿ تَتَجَافَى ﴾ ترتفع وتتنحى ﴿ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة : ١٦] عن الفرض ومضاجع النوم.
قال سهل : وهب لقوم هبة وهو أن أذن لهم في مناجاته وجعلهم من أهل وسيلته ثم مدحهم عليه فقال ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة : ١٦] ﴿ يَدْعُونَ ﴾ داعين ﴿ رَبَّهُمْ ﴾ عابدين له ﴿ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ [الأعراف : ٥٦] مفعول له أي لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته وهم المتهجدون.
وعن النبي صلى الله عليه وسلّم في تفسيرها قيام العبد من الليل.
وعن ابن عطاء : أبت جنوبهم أن تسكن على بساط الغفلة وطلبت بساط القربة يعني صلاة الليل.
وعن أنس : كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الأخيرة فنزلت فيهم.
وقيل : هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ ﴾ في طاعة الله تعالى ﴿ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم ﴾ [السجدة : ١٧] " ما " بمعنى " الذي " ﴿ أُخْفِىَ ﴾ على حكاية النفس : حمزة ويعقوب ﴿ مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة : ١٧] أي لا يعلم أحد ما أعد لهؤلاء من الكرامة ﴿ جَزَآءَ ﴾ مصدر أي جوزوا جزاء ﴿ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام : ١٠٨] عن الحسن رضي الله عنه : أخفى القوم أعمالاً فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
وفيه دليل على أن المراد الصلاة في جوف الليل ليكون الجزاء وفاقاً.
ثم بين أن من كان في نور الطاعة والإيمان لا يستوي مع من هو في ظلمة الكفر والعصيان بقوله :
٤٢٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٦
﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ﴾ [السجدة : ١٨] أي كافراً وهما محمولان على لفظ من وقوله ﴿ لا يَسْتَوُانَ ﴾ [السجدة : ١٨] على المعنى بدليل قوله ﴿ أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَلَهُمْ جَنَّـاتُ الْمَأْوَى ﴾ [السجدة : ١٩] هي نوع من الجنان تأوي إليها أرواح الشهداء.
وقيل : هي عن يمين العرش ﴿ نُزُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة : ١٩] عطاء بأعمالهم والنزل عطاء النازل ثم صار عاماً ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاـاهُمُ النَّارُ ﴾ [السجدة : ٢٠] أي ملجؤهم ومنزلهم ﴿ كُلَّمَآ أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَآ أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ﴾ [السجدة : ٢٠] أي تقول لهم خزنة النار ﴿ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [السجدة : ٢٠] وهذا دليل على أن المراد بالفاسق الكافر إذ التكذيب يقابل الإيمان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الادْنَى ﴾ [السجدة : ٢١] أي عذاب الدنيا من الأسر وما محنوا به من السنة سبع سنين ﴿ دُونَ الْعَذَابِ الاكْبَرِ ﴾ [السجدة : ٢١] أي عذاب الآخرة أي نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة.
وعن الداراني : العذاب الأدنى الخذلان والعذاب الأكبر الخلود في النيران.
وقيل : العذاب الأدنى عذاب القبر ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾ لعل المعذبين بالعذاب الأدنى ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ يتوبون عن الكفر ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ ﴾ [الكهف : ٥٧] وعظ ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ [السجدة : ٢٢] أي بالقرآن ﴿ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ﴾ [السجدة : ٢٢] أي فتولى عنها ولم يتدبر فيها.
و " ثم " للاستبعاد أي أن الإعراض عن مثل هذه الآيات في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها، مستبعد في العقل كما تقول لصاحبك " وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها " استبعاداً لتركه الانتهاز ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾ [السجدة : ٢٢] ولم يقل " منه " لأنه إذا جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم فقد دل على إصابة الأظلم
٤٢١


الصفحة التالية
Icon