الأحزاب : ٧] واذكر حين أخذنا من النبيين ميثاقهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم ﴿ وَمِنكَ ﴾ خصوصاً.
وقدم رسول الله على نوح ومن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم وأصحاب الشرائع، فلما كان محمد صلى الله عليه وسلّم أفضل هؤلاء قدم عليهم ولولا ذلك لقدم من قدمه زمانه ﴿ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَـاقًا غَلِيظًا ﴾ [الأحزاب : ٧] وثيقاً.
وأعاد ذكر الميثاق لانضمام الوصف إليه وإنما فعلنا ذلك ﴿ لِّيَسْـاَلَ ﴾ الله ﴿ مِنَ الصَّـادِقِينَ ﴾ [الأعراف : ٧٠] أي الأنبياء ﴿ عَن صِدْقِهِمْ ﴾ [الأحزاب : ٨] عما قالوه لقومهم أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم لأن من قال للصادق صدقت كان صادقاً في قوله، أو ليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم أممهم وهو كقوله ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ ﴾ [المائدة : ١٠٩] (المائدة : ٩٠١) ﴿ وَأَعَدَّ لِلْكَـافِرِينَ ﴾ [الأحزاب : ٨] بالرسل ﴿ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء : ١٨] وهو عطف على ﴿ أَخَذْنَآ ﴾ لأن المعنى أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد للكافرين عذاباً أليماً، أو على ما دل عليه ﴿ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الأحزاب : ٨] كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٦
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ أي ما أنعم الله به عليكم يوم الأحزاب وهو يوم الخندق وكان بعد حرب أحد بسنة ﴿ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠
الأحزاب : ٩] أي الأحزاب وهم : قريش وغطفان وقريظة والنضير ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا ﴾ [فصلت : ١٦] أي الصبا.
قال عليه السلام " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور " ﴿ وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ [الأحزاب : ٩]
٤٣٠
وهم الملائكة وكانوا ألفاً بعث الله عليهم صبا باردة في ليلة شاتية فأخصرتهم وأسفت التراب في وجوههم، وأمر الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت الأطناب وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم فانهزموا من غير قتال.
وحين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة سلمان ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنسوان فرفعوا في الآطام واشتد الخوف، وكانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الأحابيش وبني كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان، وخرج غطفان في ألف ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصن، وعامر بن الطفيل في هوازن وضامّتهم اليهود من قريظة والنضير ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى أنزل الله النصر ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الأحزاب : ٩] أي بعملكم أيها المؤمنون من التحصن بالخندق والثبات على معاونة النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿ بَصِيرًا ﴾ وبالياء، أبو عمرو أي بما يعمل الكفار من البغي والسعي في إطفاء نور الله.
﴿ إِذْ جَآءُوكُم ﴾ [الأحزاب : ١٠] بدل من ﴿ إِذْ جَآءَتْكُمْ ﴾ [الأحزاب : ٩] ﴿ مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ [الأنعام : ٦٥] أي من أعلى الوادي من
٤٣١


الصفحة التالية
Icon